كتب جمال فيَاض

أحزان ومرّت قراءة موسيقية لألبوم حسين الجسمي من ألحان الموسيقار د. طلال


أحزان ومرّت … ”
قراءة موسيقية لألبوم الموسيقار الدكتور طلال للفنان حسين الجسمي …
طلال يضع صوت الجسمي أمام إختبارات التنوّع والنتيجة … عشرة على عشرة!

بقلم : د. جمال فيّاض

مجموعة من ثماني أغنيات جميلة، يقدّمها الموسيقار الدكتور طلال لصوت الفنان القدير حسين الجسمي. تنوّع أسماء الشعراء من الأمير بدر بن عبد المحسن، الى الأمير خالد الفيصل (دايم السيف) والراحل عبد الرحمن الأبنودي وخالد المريخي وسليم عبد الرؤوف. وتنوّع أسماء الموزّعين من وليد فايد الى حسام كامل وتوما وزيد عادل. وكان القاسم المشترك بين هذه الأسماء الكبيرة، ألحان طلال الموسيقار المخضرم، وصاحب النغمة المميزة والتي لا تتكرّر مهما كثرت الأغاني. هنا، نستعرض أغاني الألبوم الجديد الذي صار بين الأسماع منذ أيام، والذي تمّ تسجيل أغانيه بين عدة مدن عربية وغربية، وبإشراف الأستاذ خالد أبو منذر.

حدر القمر (شعر دايم السيف – توزيع وليد فايد)

الدخول الموسيقي في “حدر القمر” هو غير أي دخول موسيقي. يجيد الموزّع وليد فايد إستخدام الوتريات من كمنجات وتشيللوهات عندما يريد مزجها بالإيقاعات. من طبقة رفيعة وعالية، يضيف لأداء حسين الجسمي الكثير من الجمال والتميّز. وقد وضع طلال لحناً ناعماً وجميلاً، يحرّك الحواس
“حدر القُمر صوّت خلّه وناداه، ثلاث مرّاتٍ وبالرابعه ونّ، حدر القُمر ياما همس له وناجاه، وعيونهم ياما بنوره تلاقنّ…”
إحدى أجمل قصائد الأمير خالد الفيصل (دايم السيف)، وواحدة من أشهر شعره. واستخدامه لعبارة “حدر القمر” يعيد الى الشعر عبارة أو كلمة تكاد تفقدها اللغة الشعرية. “حدر القُمر، أي هبوط القمر، أو نزوله”، صورة جميلة فيها الكثير من التصوير الفنّي. واللحن يكمل الصورة ببيئتها وروحها المناسبة.

أحزان ومرّت ( كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن – توزيع وليد فايد)

دندنة الجسمي في البداية لوحدها أغنية حزينة. أحزان ومرّت، هبّ الزمان وتعرّت، وانفضحت الأحزان … هل أجمل من هذا الحزن للبدر شاعر الدفء الجميل؟ لكن الجميل أيضاً هو التصوير الموسيقي للكلمات، للشعر الداعي الى التفاؤل. “كل الحزن ما كان، إغضب على حزنك، صدقني لو تغضب تلقى القمر أقرب…”. لحن أشبه باللحن الغربي، بل هو لحن غربي أميركي، لو وضعنا كلماته بالأنكليزية لأدّته سيلين ديون، كما يؤدّيه حسين الجسمي، بكل إبداع. هذا لحن عالمي، يتلاعب الجسمي بنغماته على الطريقة الأميركية، حيث تعريب النغمة في كل كلمة، يوحي أننا نستمع للحن لا يقلّ جمالاً عن ألحان “جون لينون والبيتلز”. والجميل أن وليد فايد كلما ذهب باللحن الى الغرب، يستعيده عربياً. فيقدّم لنا خلطة موسيقية مليئة بالإحساس. هذا لحن عالمي، وليس فقط لحن عربي عابر. أما أداء الجسمي فهو هنا يستعيد تجاربه الغربية السابقة الجميلة.

الشمس ( كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن – توزيع وليد فايد)
هنا يدخل الجسمي من طبقة غناء عالية، وهو المكان الذي يجعل من صوته دائماً بأجمل تجلياته. عرف الموسيقار طلال من أين يمنح الجسمي مكاناً يظهر إحساسه وزينة الصوت ورنينه الجميل. كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن صعبة على من لا يفقه كثيراً اللهجة السعودية، لكن ببعض التدقيق سنكتشف تعبيراً شعرياً ولا أجمل ولا أحلى. “المدهش الطاغي الكايد، تاخد من قلوبنا وتجدع، أحدن كتم زينها جاحد، وأحدن شكى زينها واسمع، في عيونها من السما واجد، كن الكوكب بها تطلع…”. منتهى العذوبة في الكلام. وكعادته يضيف وليد فايد بتوزيعه الموسيقي، صخب جميل من الوتريات، فيقول المنادي كلماته إلقاءً واثقاً، ليسلّم الكورال، الذي بدوره يمهّد للمطرب أن يتسلّم الغناء بأحلى إنسياب. على إيقاعات سمير القطّان الجميلة.

غالي (شعر عبد الرحمن الأبنودي – توزيع توما)

يستعيد الموسيقار طلال كلمات الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، وهو سبق ولحّن كلماته للكبيرة نجاة الصغيرة في أغنية “كلّ الكلام”. وهنا يلحّن باللهجة المصرية لحسين الجسمي الذي طالما تجلّى بالأغنية المصرية. هذا اللحن على إيقاع المقسوم، وزّعه توما بجمال النغمة الصعيدية وآلاتها الموسيقية، بدءاً من “الربابه” إلى الموسيقى المبنية على أساس موسيقي صعيدي، يختلف بنغماته عن الألحان الأخرى. تأتي أغنية “غالي” بشكل آخر، وبنية موسيقية تركت للمايسترو توما أن يوزّع اللحن على إيقاع وتركيبة شعبية محبّبة يدخل لحن أغنية “غالي” فيفرض نفسه على روح الملحن اللحنية. أغنية جميلة ومميزة، يضيفها الجسمي الى رصيده الغنائي المليء بالتميّز والناجح دائماً، والذي يقع وقع السحر على المشاعر. خصوصاً أن الأغنية المصرية صارت من ضمن حسابات الجسمي الغنائية بشكل دائم.

تعاندني ( كلمات سليم عبد الرؤوف – توزيع حسام كامل)

في كل ألبوم لفنان كبير، يحبّ الموسيقار طلال أن يضع مسحة لنغمة من شرق آسيا القريب، وهنا فهم الموزع المطلوب فأدخل إيقاعات الطبلة الهندية (البدبديكا). وحسام كامل سبق وذهب بتوزيعه الى الهند بأغنية الموسيقار طلال للفنان عبدالله الرويشد (ما صدّق خبر). ويومها حققت الأغنية نجاحاً وإعجاباً كبيرين. هذه المرّة، الإيقاع أكثر بطئاً، ولكن فيه الكثير من الجمال. خصوصاً أنه بدا بتسجيله أقرب الى الجلسة المباشرة، منه الى تسجيل الستوديو الأكثر ضبطاً. أداء الجسمي في هذه الأغنية، يأتي فيه تغنيج وتطريب للحن والكلام. وهذه الأغنية هي بالضبط، إحساس طلال المعروف في ألحانه. بحيث صار بالإمكان كشف صاحب هذا اللحن، من نغمته وقفلاته الخاصة جداً بطلال. أغنية فيها إنسيابية جميلة، وتعطي شعوراً بأن العتاب فيه في غنج للحبيب أكثر منه عتاباً حقيقياً. يبدو واضحاً أن الشاعر سليم عبد الرؤوف، أوحى للملحّن من أبياته الطريفة، بألّا يقسو كثيراً في العتاب. وهكذا كان. المسألة تحتاج لذكاء الملحن وليس فقط لموهبته الموسيقية.

من يقدر عليك ( كلمات خالد المريخي – توزيع وليد فايد)

هذا لحن يوحي بل يحرّض على الإمساك بـ”اليولة”، والقيام لأداء رقصة ممتعة. هذا تراث جميل، لا يغفل الموسيقار طلال أن يطلّ عليه بين فترة وأخرى. ومن أفضل من حسين الجسمي لأداء مثل هذا اللحن الجميل الممتع؟ وليد فايد، لم يحمّل اللحن أكثر مما يحتمل، وهو حافظ على بساطته اللحنية، وترك النغمة تذهب الى الأذن بهدوء وجمال طبيعي. بعض الزخرفات من صولوهات ونقرات خلف اللحن، لا تؤذي ولا تزعج، بل تظهر جمالية أكثر. صوت الكورال جميل ومنضبط جداً، وفيه فخامة الشعبي الجميل. خالد المريخي في غزله جمال واضح، وهو القدير ببساطة التعبير لا يستعمل الماكياج في جملته، وهو ما يجعل تلحين كلماته من القلب بدون تصنّع.

جاك الفرح ( كلمات سليم عبد الرؤوف – توزيع وليد فايد)

هذا اللون الموسيقي الصاخب والجميل، فيه روح الراحل الكبير أبو بكر سالم. لحن جميل، يأخذ صوت الجسمي الى أفق واسع، يسمح له أن يبدع ويحلّق بالأداء. توزيع وليد فايد، إعتمد الإضافات اللحنية المطوّلة، وكسر التطويل بصولو العود المشدود الأوتار بجمالية وخصوصية. لم يغفل التوزيع الموسيقي ملء خلفية الغناء بوتريات على مختلف آلات السحب، تزخرف الغناء، قبل أن يدخل صوت الكورال ليتسلّم الغناء من صوت الجسمي وقفلاته الجميلة والصعبة. لحن فيه إحتفالية جميلة، يملأ الأذنين بالموسيقى والغناء الجميل والإيقاعات الكثيفة.

باقي فرح ( كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن – توزيع زيد عادل )

الوتريات تعانق نقرات العود الجميلة، هكذا دخل الموزّع زيد عادل بلحن الموسيقار طلال، مع كلمات الأمير بدر بن عبد الرحمن المليئة بالحنين والجمال. موسيقى كلها حبّ، تضيف إليها الكمنجات الكثير من الإحساس. لحن يبدو سهلاً بالإحساس، لكنه يذهب بعيداً بحيث يصبح صعباً لا يمكن بهذا التشكيل اللحني أن يؤدّيه بهذه العذوبة صوت غير صوت حسين الجسمي. واللحن كله شيء، والقفلة شيء آخر. هنا تبدو حرفية الأداء الرائع، بل عبقرية الأداء في صوت حسين الجسمي. نكاد نتصوّر أن الموسيقار طلال نصب له فخّاً موسيقياً أو إمتحاناً صعباً في البيت الأخير( أجمل من نجوم السِما، إني أنا وإنت نتساءل يا ترى يا ترى، وشبعدها بعدها باقي فرح؟) لكنه بهذه النغمة الصعبة، يخرج المطرب القدير بطلاً منتصراً.

الخلاصة :
يقدّم الموسيقار طلال ثماني أغنيات جميلة، مختلفة بالأفكار الشعرية، لكنها وهنا الصعوبة، مختلفة بالأفكار الموسيقية والتنوّع اللحني. يقدّم طلال صوت الجسمي بباقة من الأشكال فيها التطريب، وفيها الإحساس، وفيها الصخب والإحتفالية. كوكتيل من الأغاني والألحان، تجعل حسين الجسمي أمام تنوّع كبير، وهو في كل لون ينجح ويتألّق، بالإحساس والأداء الصعب. لقد وضعت ألحان طلال صوت الجسمي أمام إختبار قدرات، ففاز فيه بالعشرة على عشرة وبجدارة الفنان الكبير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى