البحث عن كوليت خوري
دمشق – عامر فؤاد عامر
تقول كوليت خوري في أجمل حواراتها: “في كلّ يومٍ يُكسر قلبي، وذلك منذ ولدت وحتى الآن، لأنني دائماً أبحث عن الأفضل، وفي كلّ يومٍ يخيب أملي بطريقةٍ جديدةٍ، لكنني طموحة في البحث عن الأفضل، وأسعى لتحقيقه لي ولمن حولي”.
نبحث عن كوليت خوري اليوم في لغتها الواقعيّة الممزوجة بالأمل الدّائم، والسعي المستمر، نفتقدها وما تزال حاضرةً في قلوبنا، وفي وجدان كلّ من يذهب برحلته المعرفيّة قراءةً ومطالعةً، ونحِنّ إليها لأنّها أنثى أقحمت نفسها بالمسؤوليّة الأدبيّة، في مرحلةٍ يُتقصّد فيها تغييب الأنثى عن أبسط حقوقها، فهي إنسانة من زمنٍ اشتقنا إليه لأنه أدرك القيمة ومنحها صوراً مُشرقة.
قدّمت أديبة الياسمين الدّمشقي رواية “أيام معه” 1959 كباسبورٍ يشقّ لها الطريق بين أهمّ الأسماء التي كتبت في عالم الرواية العربيّة، وشكّلت هذه الرواية علامة فارقة بين كلّ الروايات التي نقرأ، فهي محطّة مهمّة لدى معظم الشباب المثقف والقارئ، وشغلت بال النُقاد فترة طويلة، ومع ولادة كلّ جيل نجد من يعشق بطلة الرواية “ريم” من الشباب؛ في حين بناتنا يصرّحون بأن “ريم” تشبههن، وأن الرواية قد كُتبت لهنّ، ومن التصعيد الجمالي لهذه الرواية أن كانت مسلسلاً إذاعيّاً في إذاعة القاهرة – البرنامج العام، من بطولة سعاد حسني وأحمد مظهر، في برنامج “ذكريات من زمن فات” – إخراج محمد علوان.
بقيت الأديبة كوليت في أحضان دمشق تلتقط حنان ذكرياتها، ولطالما رأيناها بهمّة نشاطها تتابع الفعاليّات الثقافيّة، والفنيّة، بروح شابّةٍ تفتخر بما تقدّمه الشام، على الرغم من ملامح حزنٍ عميق يذكّرني كلّما تأمّلت وجهها بجملةٍ أعلنتها صراحةً حيث قالت: “أبحث عن الغربة دوماً” فالغربة صديقتها! ألفت حضورها وسلّمت بأهميّتها المبكرة في حياة كلّ فرد من أفراد مجتمعنا، وكأنها تلتقط نقيض الفكرة، لتدرك ضرورة أن نلتقي وأن نكون في ميدانٍ واحد.
تُكثف كوليت في “ليلة واحدة” سنوات “رشا” عبر ساعةٍ واحدة، بمضمون رسالة تكتبها لزوجها بعد قرار الخيانة، وهذه الرواية أيضاً حظيت باهتمام الإذاعة المصريّة لتكون مسلسلاً آخر من بطولة سعاد حسني، وحسين فهمي، وقد أذيعت على أثير إذاعة “مونتكارلو الدوليّة”، في تجربةٍ فريدةٍ حبّذا لو نتمكن من استعادة مثيلاتها.
عبّرت كوليت عن نفسها بالكتابة دوماً، فمن توضح بأنها تعلّمت الصراخ عبر أصابعها، ومن تتحالف مع الكلمة لأنها تمنحها استمراريّة في حياتها، لا بدّ أن نفيها حقها بأن نكتب لها وعنها على الدوام، هي من يتقن اللعبة مع الحرف، وهي من يصنع إيقاعاً خاصّاً عبر القصّة، والمقالة، والرواية، والشعر، وغيرها.
زادت أعمال هذه الأديبة عن الثلاثين مؤلّفاً، كان من بينها علاماتٍ فارقة في عالم التأليف، وحققت رصيداً غزيراً في الكتابة الصحفيّة كمادّة الرأي والعامود الصحفي، وكان من بين كتبها ما نُشر بالفرنسية وما تُرجم إليها، كما بقي قسمٌ من أعمالها مشاريع دراميّة، وأخرى توثيقيّة، وما زالت كوليت تميمة دمشقيّة تضوع بعطرها على الأجيال سحراً وحيويّة على الدوام.