اخبار الفنثقافة

الزير سالم حاضرٌ في تخرّج طلاب قسم التمثيل!


دمشق – عامر فؤاد عامر

شهدت خشبة مسرح دار الأوبرا عرض طلاب السنة الرابعة – قسم التمثيل، الذين قدّموا عرضهم في سبيل نيل الإجازة في فنّ التمثيل، على مدى خمّسة أيّامٍ متواصلة ومباشرة مع الجمهور، وقد وقع اختيار مخرج العرض، والمشرف على الدّفعة الجديدة حسن عويتي، على نص “الزير سالم” المسرحي لمؤلّفه المصري ألفريد فرج، وهي القصّة الحاضرة في ذاكرتنا الجمعيّة من التراث الشفوي.
أن يُقدّم طلاب السنة الرابعة – قسم التمثيل الملحمة الشعبيّة المعروفة بالزير سالم على المسرح لهي جرأة واضحة ينالون التصفيق عليها بحق، فهؤلاء الطلاب يجتهدون ويبذلون أقصى ما لديهم لمواجهة حكاية لطالما تناقلها الأجداد قبل ولادة وسائل التواصل المسموعة والمرئيّة عبر الحكاية المرويّة وجلسات الحكواتي وغيرها، وهؤلاء الطلاب ما زالوا على مقاعد الدّراسة، بل وما زالت انطباعات المسلسل الذي نال شهرةً كبيرةً عالقةً في الذّاكرة القريبة، وهو من سيناريو وتأليف الراحل ممدوح عدوان ومن إخراج حاتم علي.
كلّ ذلك يجعلنا نرى لوحة قابلة للتفكير والتأمّل وطرح العديد من التساؤلات، فنحن بحاجة للإجابة عليها، أولاً ما مدى إتقان هذه الحكاية على المسرح اليوم؟ وأين نحن من تأليف نصوص جديدة غير مكرورة؟ وثانياً لماذا يتمّ اختيار هذا النصّ بالتحديد وتراثنا مليءٌ بالنصوص الثريّة والمهمّة أكثر؟ وأيضاً ما الغاية من الزير سالم مع دفعة طلاب يتهيؤون لإنهاء دراستهم؟ هل هو فقط لنقول أن الثأر موروث اجتماعي يجب أن نتخلى عنه وفقط أم أن غاية أخرى تتوافق مع المرحلة الزمنية الآن؟ ولا ضير من تكرار القصص ولكن المشكلة تكمن في التجديد والبحث عن الجديد فيما نقدّم! وبرأيي أن لا جديد مع هذا التكرار سوى إقحام ممثلين ما زالوا على مقاعد الدّراسة بعرضٍ لقصّة أحداثها جرت في الحجاز، في حين أن بلاد الشام هي الأغنى بالموروث الحضاري، والقصصي، والتراثي، أكثر بكثير من كلّ البلاد التي تحيط بها على الأقلّ.
نجد أن اختيار النصّ له أسبابه؛ فهو يريد عكس الواقع عبر التراث الحكائي العربي، لكن من يدقّق في التاريخ يُدرك بسهولةٍ أن حكاية “الزير سالم” تنتمي لتاريخ أعرابي وليس عربي، فبالإضافة إلى أن مكانها ليس بلاد الشام، لدينا دلالة أخرى بسيطة هنا فصفة الزير هي صفة سلبيّة لا تقبلها حضارة حقيقيّة في حين أن القصّة بمجملها تحمل عنواناً بهذه الصفة ناسفة كلّ الصفات الأخرى فيها! إذاً هنا الاعتراض يقع على: لماذا نعيد هذه الحكاية للجيل الجديد في حال لدينا العديد من القصص المشرّفة؟! ويحق لنا الدفاع عن هويتنا من خلالها.
من زاوية أخرى من الجميل استعادة مثل هذه النصوص وإعادة طرحها من جديد، فمنذ مدّة قصيرة تابعنا نشاط فرقة كركلا، المعروفة في تقديمها ضمن فنّ المسرح الراقص – الميوزيكال، قصّة جميل بثينة، وضمن ما شاهدته كان الطرح متجدداً من خلال مزج الصورة الشعريّة، وقصّة الحبّ المشهورة عبر مسرح الميوزيكال بتقنياتٍ واضح أنها مكلفة ماديّاً ومبهرة في الإضاءة والديكور، وهذا ما يدفع بالجمهور للمتابعة والالتقاط، وبحسب أرسطو المسرح هو الفرجة والمتعة أولاً، لكن هنا وضمن عرض الزير سالم وضمن شروط عرض تخرج لطلاب قسم التمثيل يبقى الأمر مقبولاً إلا عندما يُقدّم العرض على الملأ بأنه عرض متكامل العناصر ليومنا الحالي، وأقصد أنني أبحث عن التجديد في طرح الحكاية وعن السخاء في إنتاج العرض، فلماذا نذهب بمسرحنا للصورة الباهتة ولا نبحث عن التجديد فيه؟! وأيضاً حبّذا لو نبتعد عن المباشرة والتوجيه والمسرح الجاف، لأن الجيل الجديد يهرب من هذه اللغة ولا يفضلها حتى من أقرب الناس إليه، فكيف عبر ما يزيد عن الثلاث ساعات؟! وكان من الأجدر التفكير بطرح المضمون بلغة حيّة وقريبة، فإعادة إحياء التراث القديم لا بدّ أن يُصبّ فيها الموسيقى الجاذبة، والرقص المُلفت، والإضاءة المبهرة، وغيرها من العناصر للتمكن من السحر الخاص للمسرح، والذي يجمع جمهوراً متزايداً إليه، وربما عندها سنخرج بالعرض ليكون سلسلة عروض داخل وخارج سوريا، لكن للأسف مثل هذا التكرار لن يقدّم المزيد إن لم نقل هو وقوف على الأطلال، بل التكرار على هذه الشاكلة يسعى لمحو عناصر الجمال من المسرح.
تميّز عرض الطلاب ببداية ونهاية متصلة ومتمّمة للمعنى، فالجملة التي ختم بها الهجرس العرض قوله: “لا نفع للكرسي إذا لم يحمل الخير للناس” أعادتنا للبداية حيث كان خلافه مع أهله في عدم رغبته استلام زمام الحكم والسلطة، على الرغم من التوافقيّة التي أرادها أهله من جهة الأب “تغلب”، ومن جهة الأم “بكر” فهو الحلّ الوحيد الذي ستلتأم به كلّ الجراح النازفة للقبيلتين على مدى أربعين عاماً من قتل وتشريد للكبار والصغار، لكنه يذهب بضميره للسؤال كيف أكون أميراً حاكماً على عرشٍ مُثقلٍ بالدماء؟! وهي لحظة صدقٍ كبيرة يشاركها الهجرس مع الجمهور ويلقي بسؤاله للوجدان والضمير على الملأ.
رصدت المسرحيّة معظم المفاصل التي نعرفها عبر الحكاية، إلا أنها غيّبت البسوس، فلم نرها في العرض وعلى الرغم من ذلك كانت الحبكة متماسكة، فعلى الرغم من معرفتنا بأن البسوس كانت السبب المباشر في الاقتتال بين القبيلتين إلا أن النص مليء بالحجج التي يمكن أن تُشعل الحرب وتوقدها وقتاً طويلاً! لكن علينا ألا ننسى أن هذه الحرب هي أردأ أنواع الحروب في التاريخ البشري، فالاقتتال فيها لم يكن بسببٍ اقتصادي ولا طمعاً بالسلطة بل السبب أشعلته ناقة رعت في مكانٍ كان يجب ألا ترعى فيه! وامتدت الحرب سنين طويلة بل بعض الروايات تقول بأنها امتدت لمائة عام!
ألقى العرض بضوئه على محاولة رجال ونساء القبيلتين في منع وقوع الكارثة، وجاءت الحوارات عندما يخرج الهجرس من الحكاية ليسأل من همّ أكبر منه سنّاً بأنه ألم يكن من وسيلة لإيقاف سيل الدّم ومنع الدّمار من الحدوث، ويراقب ردودهم ودخولهم في مشاهد الحكاية الواحد تلو الآخر لنعود للروي عبر مشاهد المسرحيّة، وبالتالي كانت عين الهجرس مرّة تراقب القصة، ومرّة تشارك في المشاهد، ومرّةً تثير نقاشاً مع الأجيال التي سبقته وعاشت أحداث الحرب، وعبر هذا الشكل نعيش أحداث القصّة من مقتل التبّع اليماني وحيلة الجليلة مع وائل والهجرس وهمّام، ثم محاولتها زرع الفتنة بين الأخوين وائل وسالم وتداركهما للمسألة، ثم وقوع حادثة قتل كليب وما سبقها من أحداث وما تبعها من إصرار الزير على تحقيق رغبة اليمامة بإعادة والدها حيّاً، ثم لقاء اليمامة بالهجرس، ثم مقتل جساس وانتهاء الحرب.
بذل الممثلون الطلاب جهدهم في منح الأحداث والشخصيات أبعادها واكتمالها، ومن الطبيعي أن لا تكون الهارموني وحالة الانسجام على سويّة واحدة في جميع المشاهد لا سيما وأن العرض امتد على ما يزيد عن الثلاث ساعات وهؤلاء الطلاب لم يقربوا عرضاً احترافيّاً كهذا من قبل أمام الجمهور، وبالرغم من كل ذلك يمكن القول بأنهم كانوا على قدر الحمل الثقيل، مع ملاحظة أن المساحات لم تكن متوازية للطلاب جميعهم، فكان الضوء ملقى أكثر على بعضٍ منهم مقارنة بالبعض الآخر، لكنهم حققوا نجاحاً يستحقون الثناء عليه، وهم: “إلين عيسى، إياد عيسى، آية محمود، حسن خليل، حسناء سالم، دجانة عيسى، راما زين العابدين، ريموندا عبود، علاء زهر الدين، علي اسماعيل، كنان حاتم، ملهم بشر، يوشع محمود، يزن الريشاني”، كما جاءت مشاركات من طلاب السنوات الأولى والثانية والثالثة في قسم التمثيل ولهذه المشاركات ثمنها وجهدها وأهميّتها في منح الصورة تكاملها المطلوب، في حين جاءت الموسيقى المرافقة حيّةً من قسم الموسيقى عبر الناي والدف والطبل بإيقاع يشبه الحياة الخاصّة بهذا النوع من المسرح، أمّا سينوغرافيا العرض كانت بإشراف غيث المحمود وغيث مرزوقي وتوافقت مع إضاءة أوس رستم وجواد أبو كرم ولا بد هنا من الالتفات لاختيار الشكل الدائري للديكور ومغزى تغيير الواجهات بهذه السكك الدائرية والتي تمّ ربطها ببعض وكأنها لغة حبيسة وأماكن لا يخلو نورها من ظلمة بقيت الأجساد فيها ساكنة تكرر أفعالها إلى يومنا هذا، والتاريخ يعيد نفسه وينضح بما فيه في بلادنا دوريّاً، ولا بدّ من ذكر الأساتذة المساعدون رنا كرم وأسامة تيناوي، ورئيسة قسم التمثيل د. ميسون علي في الجهود لإيصال الصورة الأفضل للعرض.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى