“تروبيل” كريم الرحباني … تأريخ ضروري للإنفجار الموجع!
كتب جمال فياض
ضمن مجموعة من مخرجين لبنانيين شباب وذوي الخبرة، تقدم منصة “شاهد” مجموعة أفلام سينمائية قصيرة ، لعدد من الشبّان اللبنانيين، الذين كان لوقع “إنفجار المرفأ” في بيروت وقعه بشكل مختلف تماماً عن وقعه على كل الناس الذين أصابتهم مصيبة الإهمال الكبرى. هذا التاريخ المؤلم، سيمرّ وقت طويل قبل أن يصبح جزءاً من الذاكرة، لا يؤلم السامع أو القاريء. في فيلمه القصير “تروبيل” يستعيد كريم غدي الرحباني اللحظة، واليوم، والكارثة بمنظار الفنان والمخرج والإنسان. كان البيت الرحباني، يقدّم أصواتاً وموسيقى وشعراً رفيعاً، وغناءً ومسرحاً غنائياً يبهر الأجيال. لم يكن في البيت العريق أفلاماً، سوى تلك التي وقّعها يوسف شاهين (بيّاع الخواتم)، وهنري بركات (سفر برلك وبنت الحارس). يأتي كريم الرحباني، حفيد منصور وإبن غدي، ليدخل عالم الفيلم من باب آخر، ومفهوم أوسع. فيكمل الحلقة الرحبانية الواسعة. هذه ليست تجربته الأولى، وهو الذي حقّق منذ بداياته جوائز في مهرجانات دولية، من ألمانيا وكان آخرها في مهرجان “وهران” الجزائري. اليوم، يوقف كريم الزمن في لحظة، وينطلق ليستعيد الدقائق بالثواني، والمشاعر. فيصوّر بحسّ جميل، ولمحة إنسانية دامعة، هذه الدقائق لتكون شاهداً لأجيال ستأتي وتسمع وتقرأ عن كارثة حلّت بأجمل المدن في هذا الشرق المتعب بالإهمال والفساد والخسارات المتتالية، والثورات المتردّدة.
هي تحية لعلي صوّان، الصيّاد الذي أخذه الموت ضحية مسالمة وبريئة. وبإذن من أهله، إستوحى كريم القصة – الفيلم. هذا الفيلم القصير، عملية تذكير ضرورية لمثل هذه الكارثة التي بإهمال وربما بفساد أوصلت الى هذا الألم الكبير.
بدقائق قليلة، يصوّر “تروبيل” مشهداً كله وجع، كيف تذهب لحظة الطمأنينة بفعل غدر الإهمال، فيقتل ويبدّد أسرة، وحياة. بحركة كاميرا مرنة تضجّ بالحيوية (راشيل نوجا). ونصّ كتبه كريم وغدي الرحباني، بممثلين ينافس الواحد منهم أي حقيقة. ويبدو فادي أبي سمرا كما دائماً، ممثلاً من الطراز الممتاز. ومايا يمين التي بمشهد واحد تفرض حضورها الطبيعي والتلقائي. وعفيف مزبودي الصيّاد الذي إنتزعه كريم ممثلاً بقوة الحاجة الى شخصية حقيقية من الحياة.
الذي سيسشاهد فيلم “تروبيل” لكريم الرحباني، سيعتقد أن هؤلاء الواقفين أمام كاميرته، هم الشخصيات الحقيقية، الذين أصابتهم المصيبة. هو يحرّك الحياة فيهم، ليتماهى الأصل مع الصورة، والحقيقة مع التشخيص. بدقائق قليلة، يفتح كريم النافذة وسع المدى، وليته لم يقفله بهذه السرعة… دقائق تغني عن ساعات. هو البيت الرحباني، يعود ليدخل حياتنا، بالجيل الثالث. ونحن نستقبله كما استقبلنا جده وأبيه وأعمامه، بترحيب كبير.