كتب جمال فيَاض

جمال فياض يكتب: عندما قالت أم كلثوم “إصرف الملايكه يا موجي”…

كتب جمال فياض
————————

بدأت العلاقة بين الموسيقار الراحل محمد الموجي والسيدة أم كلثوم، بخناقة وصلت الى المحاكم. فقد إستمهل الموسيقار الشاب الست طويلاً ليلحّن لها أغنية كتبها لها الشاعر عبد الوهاب محمد(عام ١٩٦٣) . ولكن “للصبر حدود”! طال الأمر ولم تسمع الست لحن الأغنية الموعودة. فرفعت قضية أمام القضاء المصري، لماذا تأخّر الملحن محمد الموجي لإنجاز المطلوب؟ وقف الموجي أمام القاضي وبخفة دم شديدة قال له “سيدي القاضي، مش إنت بتحكم باللي لازم يتنفّذ؟ خلاص، أحكم على الإلهام يجيني… لأن الإلهام لم يأتني بعد لتلحين ما يجب أن تغنيه سيدة مثل أم كلثوم”. لكن الإلهام عاد وجاء للموسيقار الكبير وقدّم لها أغنيته الخالدة “للصبر حدود”. قد تكون هذه الحركة الكلثومية نوع من الدعاية بالطريقة التي كانت تناسب تلك الحقبة الذهبية من الزمن الجميل. بل الزمن السحري للفن والغناء. أرادت أم كلثوم أن تثير فضول الرأي العام، خصوصاً أن الأغنية إسمها “للصبر حدود”. ولأول مرة نفذ صبر الست. لكن بعد “للصبر حدود”، كانت أغنية “إسأل روحك” أيضاً بين السيدة والموسيقار. فكتب عبد الوهاب محمد ولحّن الموجي، وغنّت أم كلثوم. ويعرف المهتمون والمتابعون، أن أم كلثوم كانت تحذف وتعدّل في كل الأغاني التي غنتها. وكان أي شاعر غنائي ينصاع لرغبتها في التعديلات، دون نقاش. فالسيدة ستغني كلماته، وهذا شرف لا يناله إلا المحظوظ من شعراء الأغنية. وحده مأمون الشناوي، عارض طويلاً أي تعديل. وظلّ يعارض ويذهب بكلماته الى فريد الأطرش، ليغنيها وتنتشر بلحنه وصوته. صمد الشناوي طويلاً، ليعود بعدها راضخاً موافقاً على ما تريده الست! كان ذلك في أغنية “ومرّت الأيام”. لقد خاف الشناوي الرائع، أن تمرّ الأيام ولا تغني له ثومة بعض شعره الجميل. لكن في أغنية عبد الوهاب محمد ومحمد الموجي “إسأل روحك”، حالة جميلة تستحق التوقّف عندها. إنه المقطع الغنائي الطويل، الذي حذفته السيدة من الأغنية الجميلة وطلبت من الشاعر إعادة كتابة مقطعاً آخر بصورة مختلفة عن التي كتبها. لقد ظهر تسجيل بصوت الموسيقار محمد الموجي وهو يغني فيه على العود، أغنية “إسأل روحك” كاملة، وفيها المقطع الذي لم نسمعه بصوت أم كلثوم في أي من التسجيلات المعروفة للأغنية الشهيرة. وفي هذا المقطع يقول الموجي على نفس المقام الأساسي ومن نفس روح اللحن الأصيل:

“آه لو كل الناس بيحبو
زي ما قلبي عاش بيحبك
فوق احاسيس وشعور الناس
كانت الدنيا بقت حاجه تانيه
كان الناس بقوا زي ملايكه من الإحساس
وانا عالحب بس بعيش
بُعدي كمان ما بيعذبنيش
والحرمان ما بيغلبنيش
واللي بيعرف قلبو الحب
ما بيسالش ف بُعد وقرب
بس كفايه عندو يحب
وأنا حبيتك للحب لوحدو،
اللي لا قبلو غرام ولا بعدو
وغدرك بيّه أثّر فيّا ، لما حياتي بقت مش هيّه
وتغيرت شويه شويه، اتغيرت ومش بإيديّا
وبقيت أطوي حنيني إليك
واخترت ابعد بعد ما فاض بي
وعرفت اعند واجي على قلبي
واخترت ابعد وعرفت اعند
وانت يا عيني لو في مكاني يا عيني
كنت هتعمل غير كده إيه ؟
إسأل روحك… “.

هنا تنتهي الأغنية، وعند العبارة التي نعرفها كلنا “… وانت يا عيني لو في مكاني يا عيني، كنت هتعمل غير كده إيه؟… إسأل روحك”. هذا “الكوبليه” لم يعجب أم كلثوم، فهو مليء بالتضحيات، وحب الحب لمجرّد الحب. ويقول الموجي الصغير إبن الموسيقار الراحل، أنه كان في الكلمات أيضاً عبارة تأتي على ذكر “الملايكه”. وبخفة دمها المعروفة قالت للملحن محمد الموجي تعليقاً على هذا الكلام “إصرف الملايكه يا موجي.. ده لون عبد الحليم”. وطلبت من الشاعر عبد الوهاب محمد أن يكتب كلاماً آخر للمقطع الأخير من الأغنية. وبما أن الكلام الجديد ليس فيه كما السابق “آه لو كل الناس بيحبّو” إحتفظ الموجي بلحن “آهات” المدخل الجميل والمحذوف من الأغنية، ووضعه لاحقاً (عام 1973) في أغنية “يا مالكاً قلبي”، التي غناها بالفعل عبد الحليم حافظ، وتحديداً في “آه من الأيام لم تعطِ من يهوى مناه” . أما وقد حصل ما حصل، وجاء الزمن الذي نشتهي فيه جملة واحدة من ذاك الغناء وتلك الحقبة الذهبية، فلماذا لا تسجّل واحدة من ذوات الأصوات الهائلة الأداء والإحساس هذه الأغنية من جديد بصوتها، وتضيف إليه هذا المقطع “المحذوف” لجمهور سيكون سعيداً أن يسمع من جديد شيئاً جديداً. إنه إكتشاف، ينتظر من تعرف كيف تستفيد منه من المطربات أمثال أمال ماهر (المصرية)، أو وعد البحري (السورية) أو ميشلين خليفه (اللبنانية) أو أسماء المنوّر (المغربية) أو صوفيا صادق “التونسية). ليت واحدة منهن تسمع وتفعل! ولا أعتقد أن الموجي الصغير وريث الموجي الكبير والأمين على إرثه سيرفض مثل هذا الأمر. وإن رفض، “سيبوه عليّ أنا”… فأنا كفيل بالحصول على موافقته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى