اخبار الفنكتب جمال فيَاض

حزن سلطان القلوب …

كتب جمال فياض

ليس حزناً ، أي حزن على أي شيء . الحزن الكبير والوحيد والأكيد هو الحزن على فلذة الكبد… كل الخسائر يمكن تعويضها، والعوض سهل، بمال أو بتغيير أو بإعادة بناء ما انكسر أو هُدم … إلا الضنى، فلا عوض عنه ولا بديل منه. وكل حزن زائل ولا يدوم، إلا حزن الأب والأم على ولد. هل أصف أكثر؟ هل أشرح أكثر؟ لا داعي ولا ضرورة. فحزن أبو وديع وأم وديع، لا يضاهيه حزن، ووجعهم لا يوازيه وجع. ستلهو الحياة بالجميع وتُنسيهم، إلا الأب والأم. لن تنساهم الأحزان، ولا ستطفيء الأيام لهيب قلبيهما. بل تضاعفه كلما مرّ يوم، وانقلبت الأيام. وجع جورج وسوف اليوم، أصعب من وجع الموت. كلنا تألّمنا وأصاب قلوبنا الوجع، وهو تألّم أكثر من ألم انتزاع القلب من الصدر.

فلذة القلب والكبد والروح مات، ماذا نفعل؟ وكيف يمكن أن تقنع الأب والأم أن لحزن هذا الموت أن يستكين؟

جورج وسّوف، الذي ما اقترب منه حزين إلا وأسعده، وما أقترب منه محتاج إلا وساعده، وما أتاه مريض إلا وطبّبه، وما أتاه ملهوف إلا ولبّاه، وما استنجد به ضعيف إلا وناصره. جورج وسوف الذي ما قال لا لمن طلبه، وما أقفل بابه بوجه من طرقه، وما كسب مالاً إلا وشاركه، وما تلقى سلاماً إلا وأجاب بأحسنه… سيقول ونقول كلنا، ما استحق جورج هذه الضربة، لا ورب الكون، ما كانت هذه الضربة لهذا الرجل النقي، الطيب الإنسان، ما استحق جورج هذه المصيبة، لأنه ما آذى أحد ولا منع عن أحد رزقاً ولا خيراً. فلماذا إذاً؟ لماذا اختاره الله لهذه التجربة؟ ربماً أراده أن ينال ما ناله الأنبياء والقديسين والمباركين؟ ربما أرادها له ليصبح بمصاف الذين أحبهم الله، فابتلاهم. ألم يُصلب المسيح عليه السلام أمام عيني أمه العذراء المباركة؟ ألم يشهد محمد ﷺ موت أولاده أمام عينيه؟ ألم يبتلي سيدنا نوح؟ ألم يبتلي سيدنا موسى؟ ألم يبتلي سيدنا أبراهيم بكل بلاء صعب، عليهم جميعاً السلام؟ ألم يقل العرب المؤمنون أننا لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة مفاليس؟ ويقول النبي محمد ﷺ : من ثخن دينه إشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه) والدين معاملة، وليس فقط صلاة وتعبّد… وجورج وسوف، ما عامل الناس إلا بحسنى لا مثيل لها.

سيضع الله في قلب سلطان القلوب البيضاء الصبر والسلام والسكينة . وسيجعل له في قلبه هدأة المؤمن، بأن لله ما شاء من أمورنا في هذه الحياة. سيغسل الله جورج وسوف من كل ذنب أو خطيئة، وسيعيده كما كان يوم ولدته أمه. هكذا وعدنا الله في كل أديانه التي أرسلها لنا ليهدينا ويرشدنا الى أمرنا.

وأعرف تماماً أي عوض سيكون لجورج وسوف، لأني أعرفه كيف يفكّر وكيف يتصرّف. سيعوّض جورج خسارته بالكثير من أعمال الخير، والكثير من العطاءات. سيساعد فقير ويتيم ومريض وعاجز وضعيف ومحتاج. سيفتح رحيل وديع باب الخير على مصراعيه، وستكون يد جورج وسوف مبسوطة أكثر مما كانت … وسيكون سعيداً بكل ما سيفعله، لأن هذا سيشعره أن وديع سيكون سعيداً حيث هو… في مكان آمن، وسعيد، لا حزن فيه ولا وجع ولا موت …

إنهض يا سلطان القلوب البيضاء، قم من حزنك وأكمل طريقك، ولا تقلق على الوديع الذي أهداك إياه الله واسترده إليه، فهو في مكان أفضل، هو يسعد ويفرح ويتطهّر من كل شرّ، طالما أنت تضحك وتهب لكل طفل يتيم أو مريض أو مشرّد، أماناً ودواءً وملجأً …

يا سلطان القلوب البيضاء، من اليوم، ضع حزنك خلفك، وقم لتصنع منه سعادة وبهجة، وضاعف في قلبك عمق الإيمان ، بأن كل ما يأتينا من الله … خير مقبول، ونِعم العاطي!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى