خاص أضواء المدينة، ناديه لطفي … عندما غنيت للحلوة !!
كتب جمال فياض – القاهرة
هي الصدفة البحتة، أن تلتقي بالصديقة، وصديقة الجميع الزميلة رابحه أشيت الجزائرية في مهرجان “الجونه” السينمائي. فتقترح أن نلتقي في جلسة مع حلوة السينما العربية وإحدى سيداتها ناديه لطفي. ماذ؟ وكيف؟ ومتى ؟ تجيب رابحة، في القاهرة، سأرتب لقاءً معها. وأسأل، هل هي قادرة على لقاء المحبين والمعجبين والصحفيين؟ فتقول تعال وسترى. عدنا من “الجونه” الى القاهرة، وفي الموعد المنتظر، حملت وروداً حمراء، وتعمّدت أن تكون حمراء، ووصلت الى مستشفى القوات المسلّحة، حيث تتمّ رعايتها، لأفاجأ بالسيدة الجميلة جالسة في صالون جناحها الخاص، بمنتهى الأناقة والجمال والشياكة والضحكة الرائعة. ناديه لطفي بتاريخها الكبير، تنتظرنا باسمة سعيدة. قلت لها أولاً سأنفّذ وعدي لنفسي، أن أغنّي لك الأغنية التي لا يمكن إلا أن أتذكرك كلما سمعتها. تناولت رابحة الرائعة هاتفها وراحت تسجّل اللحظة بالصوت والصورة… وغنّيت لها “الحلوه، الحلوه الحلوه الحلوه، برمشوها السودا الحلوة …” . أغنية عبد الحليم حافظ التي كتبها مرسي جميل عزيز ولحنها كمال الطويل في فيلم “الخطايا”. تبتسم بخجل وتقول، أنا الآن أحببت الأغنية منك أنت … هذا حلم كبير، أن تمنحك ناديه لطفي وتجاملك بهذا الكلام الجميل. ناديه لطفي ليست كما باقي الممثلات الكبيرات وهنّ يصلن الى سنّ متقدّم قليلاً. لا هي بسيطة، ولا هي مجرّد فنانة عبرت مرحلة النجومية الى سنّ الراحة. المفاجأة ليست فقط بحضورها الأكابري الأرستقراطي، المفاجأة، بذاكرتها التي لم تغب عنها أدقّ التفاصيل. جلست تروي لنا حكاياتها منذ البداية، عن تلك المعجبة التي كانت أول من أرسلت لها رسالة إعجاب من مدينة رام الله الفلسطينية، منذ عام 1959. وهي ذكرتها بالإسم، كان إسمها هدهد مخائيل، وعرفت بعدها أن شقيقتها الصغرى أصبحت عضواً في قيادة منظّمة التحرير. ثم تتذكّر معجبة لبنانية كان إسمها إنعام وكانت صغيرة، وكانت والدتها تكتب لي لأشجعها على الإنتباه لدراستها. وعن زيارتها الأولى لسورية عندما كانت مجرّد ممثلة صاعدة، شاركت في فيلم عن “الشهيد العربي الأول السوري جول جمّال”. وكيف إستغلّ المنتج صورتها ووضعها بارزة على أفيش الفيلم الذي كان دورها فيه مجرّد كومبارس. وهنا تضحك وتروي لنا كيف أن صورتها البارزة، جعلت المعجبين يلتفون حولها بالمئات. ويومها شعرت ما معنى أن تكون مشهوراً. ثم تذهب الى ذكرياتها عن زيارة بيروت خلال الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، فتذكر كيف حرّضت الزملاء الفنانين للمجيء الى لبنان تحت الحصار، ورغم الحرب، وتقول ، أنا لبست هدومي، ورحت النقابة وسافرت الى لبنان. لم أقتنع بأني متضامنة فقط من بعيد لبعيد. جئت ومعي زملاء، وتضامنت في بيروت مع فلسطين ولبنان ضد العدوان الصهيوني. ثم تؤكّد، أنا عربية أولاً وأخيراً، ولا أتخلى عن عروبتي مهما كانت الظروف. ومهما تغيّر الزمن، لأن علاقتي بالبلاد العربية علاقة الجلد باللحم، وهذه الحركة لا تتصوّر كم أضرتني. وأنا أعتبر لبنان يعنيني وأنتمي إليه أكثر منك أنت. وفي بيروت، تحكي لنا كيف زارت الأماكن وعقدت المؤتمرات، ثم تأتي على ذكر الشاعرين الفلسطيني محمود درويش واللبناني شوقي بزيع. تتذكر الجميع بالأسماء والتفاصيل. لقد زرت جامعات ومراكز لم أعرف مثل لبنان. لقد جئت أشتري صحيفة من أحد الأولاد من باعة الصحف، وما أن هممت بالدفع، نظر لي نظرة غضب وقال لي إيه اللي بتعمليه ده؟ أنا آخذ منك ثمن جريدة؟ كنت عايزه أقرصه في خدّه. ولما سألتها عن ذكريات مميزة في سورية، تقول أنا لا أفرّق بين سورية ولبنان، أعتبرهما بلد واحدة. لقد ذهبت الى لبنان، ولم أصوّر أي فيلم خارج لبنان، ياستثناء مشاهد من فيلم “أبي فوق الشجرة” و”الزائرة” فقط. ثم أسألها عن عبد الحليم حافظ وفيلم “أبي فوق الشجرة”، وتقول أن الدور كان سيذهب الى ممثلة أخرى، لكن المنتج مجدي العمروسي مدير أعمال شركة صوت الفن” التي أنتجت الفيلم إقترح على المخرج حسين كمال أن يكون الدور لها لأنه رأها فيه. سألتها هل وقعتِ بغرام عبد الحليم حافظ؟ هل أحببتيه؟ قالت، نعم أحببته جداً، لكن ليس كحبيب بل كصديق طيب وحلو المعشر. وماذا عن فريد الأطرش؟ لماذا لم تشاركيه أحد أفلامه؟ ضحكت وقالت، بصراحه عرض عليّ أن ألعب الدور الذي لعبته فاتن حمامه في فيلم “الحبّ الكبير”، وهو تمّ تصويره في لبنان. لكني في حينه كنت مرتبطة بأعمال في القاهرة، ولم أجد نفسي أصلاً بالشخصية المطلوبة في الفيلم. لكن هذا لا يعني أبداً أني لم أكن أحب فريد الأطرش الشخصية التي أحببتها جداً، فهو كان فناناً رائعاً بطيبته وكرمه وذوقه وتعامله. فريد الأطرش كان فعلاً يتصرّف مثل الأمراء، وكان الوسط الفني كله يحبه ويحترمه. وهو فنان كبير، كانت له مكانة خاصة في قلبي. لكني لم أجد نفسي يوماً أستطيع أن أكون ممثلة في أحد أفلامه، لأن للبطلة مع فريد خصوصية، لم أجدها في نفسي. أستطرد بكلامي عن أدوارها السينمائية الراقية وإختياراتها المميزة، فأذكر “النظارة السوداء” والخطايا” و”أبي فوق الشجرة” فتذكّرني بفيلم “المومياء”، الذي كانت فيه “ضيفة شرف” فيلم الراحل شادي عبد السلام الوحيد. وبعدما أثنيت على أعمالها قالت: إذا كان من نجاح حققته في مشواري، فهذا يعود للجمهور الذي بتعبيره عن إعجابه بما قدمت، شجعني وجعلني أرتقي بنفسي علشانه، فهو الغائب الحاضر، الذي أنتبه وأشدّد على جودة الأدوار التي أختارها.
سألتها عن عدم ظهورها في حفلالت التكريم التي تقام في بيروت وبعض العواصم العربية، ولماذا لا نراها فيها، فقالت ، أنا ما بسافرش لتكريم إلا إذا كان من مؤسسة رسمية. من رئيس دولة وزارة ثقافة أما التكريمات والمهرجانات دي ماليش فيها. بعضهم يأتي إليّ ويصورني، ويقدم لي مشكوراً بعض التكريم، أما أن أسافر للمشاركة، فهذا لا يعنيني.
عندما انتهى اللقاء، شكرت الزميلة رابحة أشيت على جهدها، فأشارت لي السيدة الكبيرة، هي ما قالتلكش؟ دي بنتي بحق وحقيق. وتذكرنا معاً علاقة مصر بالجزائر وأيام الثورة.
الجلسة مع نادية لطفي، كان مخططاً لها أن تكون لربع ساعة فقط، قلت لها كنت أود ألا أطيل الجلسة، لكن حديثك الآسر جعلني أجلس لأكثر من ساعة ونصف. فنادت ضاحكة على مساعدتها وقالت تعالي إسمعي، أنا مش قلتلك ده جاي يقعد ربع ساعه بس؟ ومش قلتلك لو عجبني الحوار سأجلس على قد ما أقدر؟ أهو بيقولها بنفسه… وضحكنا، وقبلت يدها وجبينها وغادرت، على وعد بأن نلتقي مرة ومرات في زيارات قادمة الى القاهرة. ولم يفتها أن تهديني بعض صورها، مع أمنيات جميلة، ووقعتها بإسمها الأصلي … بولا شفيق.