” درس قاسي”، دعوة للبحث عن أسباب العنف
عامر فؤاد عامر – خاص من دمشق
“النصر الناتج عن العنف مساوٍ للهزيمة” يختصرُ المهاتما غاندي حقيقة العنفِ بوصفه الوجّه الآخر للهزيمة، وهذا ما تشير إليه مسرحيّة “درس قاسي” المُنتقاة من قبل الدكتور سمير عثمان الباش عن نصٍ من تأليف “فالنتين كراسنو غوروف”، إلا أن الدخول في تفاصيل العرض المسرحي يحمل مغامرةً من نوعٍ مُلفت، سيّما وأنه دعوة للتفكير والبحث عن مسبّبات العنف، وهل هو صفة أصيلة في الكائن البشري؟!
يُغذّي أهميّة طرح هذا النوع من الأعمال فكرةً مهمّةً جداً؛ وهي مجريات الأحداث الدّمويّة على الأرض في سوريا خلال ثمانية سنوات مضت، وبوجهٍ عام ما حصل في عديد من البلاد العربيّة بالتزامن نفسه، وتأخذنا الحكاية في مختبر دكتور علم النفس “ابراهيم – أوس وفائي” والتجربة التي يُشرك فيها طالبيه “لورا – توليب حمودة” و”يزن – كرم حنون” اللذان يحضّرا نفسيهما للتخرج من كليّة علم النفس، بحضور “أليسا – فرح الدبيّات” عنصراً أساسيّاً لتنفيذ التجربة، وهي مساعدة الدكتور وماجستير في علم النفس الاجتماعي، والغاية من التجربة العلميّة تمكّن الإجابة على مسألة: “هل الخوف من العقاب الجسدي يُسهم في زيادة التحصيل العلمي؟” وتأتي التجربة عبر تحفيظ المساعدة لمقاطع شكسبيريّة تُملى عليها لأوّل مرّة، ومع كلّ غلطة، يُضغطُ على زر جهازٍ يتدفقُ منه تيارٌ كهربائيٌ إلى الكرسي المربوطة فيه، وبتصاعد عدد الأغلاط تتصاعد شدّة التيار.
يلوي بنا العرض لاحتمالين جسّدهما الطالبين، فـ”لورا” وصلت لحدّ عدم مقدرتها على تعذيب المساعدة، بعد تألمها من ضربات التيار الكهربائي، عقب ارتكابها الخطأ في الحفظ، بينما “يزن” كان على المقلب الآخر من التجربة، ومارس نزعة التعذيب، متورطاً في اللعبة، وبات جلاداً يذهب بـ”أليسا” للموت، غير عابئٍ بشيء، جاء ذلك تحت تأثير مغرياتٍ فرضها الدكتور “إبراهيم”، فهناك علاماتٍ ستُضاف في معدّل التخرج، وهناك مبلغٌ من المال منحه لكلّ منهما، وأمام المغريات انساق الاثنان في دخول تجربة التعنيف والأذى لكن “لورا” انسحبت وتخلّت عن المغريات في حين “كرم” تابع واستغرق في ذلك.
تنكشف الحكاية للجمهور في مستوى جديد، بعد أن وقع في حيرة السؤال: فمن الذي قتل أليسا؟ هل هي أوامر الدكتور، أم أفعال يزن؟! لكن الحقيقة هي أن أليسا تنهض، وتعترف مع الدكتور بأن هذه تجربة مفتعلة لقياس درجة تأثرهما بطاعة الأوامر من السلطة أمام المغريات والضغوطات الممكنة، وأن أليسا ممثلة مسرح ولا يوجد تيار كهربائي موصول بكرسيها، إنما تعمّدَ الدكتور الأمر حتى يتمّ إيهامهما بواقعيّة المسألة.
إن طرح مثل هذه الفكرة في وقتٍ نحن بحاجة فيه لالتئام الجراح لهو غاية في الأهميّة، خاصّة للأجيال الشابة التي ترعرعت واعتادت منظر الدّماء، وأخبار الموت، وأشكاله المتعددة.
العرض يختتم نفسه بمشهدٍ أخير يجلس فيه الدكتور على كرسيٍّ وتتسلّط عليه إنارة المسرح، رمزاً لسطوة السلطة، أيّاً كان شكلها، على الناس، وفي هذا تعبيرٌ جريء مضاف للعرض المسرحي الذي قدّمته مدرسة الفنّ المسرحي في خطوة مسبوقة ومهمّة لم تحققها عروض المسرح القومي منذ سنواتٍ طويلة.
لا بدّ من الإشادة بعناصر متوافقة مع كليّة العرض، كالإضاءة وتنفيذها، والصوت، والتقنيّات المستخدمة على بساطتها، واستخدام متوازن للموسيقى، التي تذهب بنا إلى أجواء القبو والتجارب السريّة، وكلّ هذه العناصر التي تسترعي من المتلقي الانتباه الزائد، والتدقيق على التفاصيل أكثر، وهذا ما يدعونا إلى إضافة نقاط جيّدة للإخراج ككلّ، الذي لا بدّ وأنه سيكون بمكانٍ أهمّ مع وجود دعم وإنتاج أكبر للعرض!
الملاحظة التي لا بدّ من الإشارة إليها أيضاً هي حالة الانسجام بين ممثلي العرض، والتي كان من الممكن أن تكون أكثر فاعليّة لو تمّ العمل عليها بصورةٍ مختلفة، إذ كان من الممكن أن تمنح العرض حضوره الأكثر تأثيراً.
أمّا السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لو يتمّ الالتفات أكثر إلى فكر الدكتور سمير عثمان في مجال العمل المسرحي وخياراته فهل سنصل لنتائج عروض مُتقنة أكثر ومختلفة عن السائد لدينا؟! وهل سيتزايد الإقبال على العرض المسرحي؟! وهذا يتجلّى على المستويين أيّ مستوى العاملين في المسرح من جهةٍ أولى، ومستوى الجمهور وكثافته من جهةٍ ثانية!