دعوة على “مجدّرة حمرا”.. بالسمن والسكّر والعسل!!

كتب جمال فياض
يبدو أنها سلسلة لن تنتهي، أو عقدٌ وعهدٌ وقّعه يحيى جابر، الكاتب المجنون، وأنجو ريحان، المتقمّصة كل الأدوار…
سأشرح أكثر…
يحيى جابر كاتب عشوائي مجنون، والمعنى أنه يدخل في تلافيف الناس، بين البيوت، وفي الغرف، وعند صحن الدرج. وبعشوائية انتقائية – نعم، هي هكذا – عشوائية، لكن انتقائية، يغرف من قلوبهم وصدورهم، وتحت قمصانهم وكلّ ملابسهم، ما لم يره منهم أحد.
فينقل بجنونه وجنونهم صورًا نعرفها كلّنا، ولم نبح بها يومًا…
فيتجرّأ، يبوح، ينشر، لا يخشى، لا يهاب، ولا يحسب حسابًا لأيّ أمر.
هواية يحيى جابر الساديّة أن يُمعن في الحفر في الجروح والندوب، ويستمتع بإخراج الألم اللذيذ، فيوجعنا حتى كأنّما يحقن الوجع في نفسه، لا فينا.
هو البوح الذي يدمنه، وما تركه يومًا.
تعالوا الآن إلى أنجو ريحان. هكذا هي، سقطت عليه من السماء هديةً ربّانية لجنونه وفوضويته. هذا الذي لا يطيق نفسه، جاءته هدية اسمها: “الفرقة المسرحية الفنية الاستعراضية الكاملة”… أنجو ريحان.
من بعدها، لم يعد مسرح يحيى جابر بحاجة إلى ممثلين، ولا كومبارس، ولا ملقّن، ولا مدرّب، ولا شركاء، ولا أُجراء في مسرحه…
ولا ديكورات، ولا إضاءة، ولا ملابس.
اختصر يحيى وأنجو المسرح بشخصين وجمهور.
شخصان للكتابة، والإخراج، والأداء… وجمهور ليستمتع، ويضحك، ويبتسم، وينفعل فيبكي، ويتعلّم منهما كيف “تموت الدمعة في الأحداق”، ويُصوّرا لنا المسرح كقصيدة شعر من نزار… فيها كل الممكن والمستحيل.
في “مجدّرة حمرا” كان الجزء الأول من مسلسلهما، وتلاه الجزء الثاني في “شو منلبس”، وأنا أبحث عن الجزء الثالث…
لعلّه في “من كفرشيما للمدفون”، الذي كتبه في العام الماضي لنتالي نعوم، فنصبح في “الشاطر والمشطور والكامخ بينهما”…
فرمنا البصل، وقليناه وحرّقناه بالزيت، وسلقنا العدس، وخلطناه بالبرغل، فحصلنا على “مجدّرة حمرا”… مسمومة؟ ربما… لكنها وجبة لذيذة.
تدّعي أنجو فتقول: “صنعة إيديا وحياة عينيّا”…
سحر أنجو على المسرح أنها لا تنسى، ولا تهمل، ولا تتجاهل أي تفصيل من النص…
حتى ما حذفته الرقابة، أشارت إليه ولم تقله، ففهمناه…
ولا تخلط بين مسرحيتين تقدّمهما بشكل دوري، فلا تمزج بينهما، ولا تضيع فيهما.
وعندما سألها أحدهم: كيف يمكنك الفصل بين مسرحيتين تقدّمينهما في وقت واحد؟
قالت: “تمامًا مثلما يفصل الرجل بين زوجته وصاحبته”…
وإذا كان الرجل قد يخطئ، فيخلط بينهما، فإن أنف أنجو الجميل لا يخطئ.
نعم، جميل… رغم أن جماله أزال منها ميزةً كنا نراها ميزة، وهي تراها غلطة!
أظنّ كلامي مفهومًا!
مالنا ومالها؟
هذه الصبية الحلوة حرّة… على المسرح حرّة، في حكاياتها حرّة، وفي كلّ ما تقوله على لسان يحيى، بتصرّف… هي حرّة!
صارت ثنائية يحيى جابر وأنجو ريحان حالة وميزة وطابعًا لا مثيل له.
زمان، كان شوشو (حسن علاء الدين) بحاجة إلى عشرين ممثلًا وممثلة معه ليحظى بالبطولة المطلقة.
اليوم، تحظى أنجو ببطولة مطلقة، هي، وصوتها، وظلّها، وما يكتبه يحيى على الورق، وما يضعه على المسرح…
“مجدّرة حمرا”… ستشتهي هذه الأكلة، حتى ولو كانت هناك شبهة دسّ السمّ فيها، أو بسبوسة بالسمن والسكّر والعسل…
مرّة أخرى، صفّقوا معي للبطلَين الرائعَين: يحيى جابر وأنجو ريحان، وجمهور كبير خلفهما!