اخبار الفنكتب جمال فيَاض

سورية أعادت فتح باب الدراما …

كتب جمال فياض

كتب جمال فياض

فتحت الدراما السورية هذا العام بابها على مصراعيه، فلا “باب الحارة” عاد بابها المخلّع، ولا باب الحديد عاد متيناً يخفيها خلف سجن الظروف المرهقة. فتحنا الباب، وعدنا نتنفّس هواءً نقياً نظيفاً لا لُبس فيه.
بعدما مرّت سورية بظروفها القاتلة، ونجت منها بأعجوبة ولكن بكثير من الخسائر، عادت الدراما المكسورة لتجبر الخواطر من جديد. وشاهدنا هذا العام، أعمالاً جدّدت الأمل، بأن المكسور لا بد أن يصلّحه أصحابه بعزيمة، وخزنة الخبرة.
سنحكي طويلاً عن الأعمال السورية، هذا العام كانت الخطوة جميلة ومبشّرة. فتنقّلت بشائر الجودة من “كسر عضم” الى “مع وقف التنفيذ” الى المساحات الشاسعة الواسعة من الحرفية الهائلة للممثلين الأساتذة، الذين لم تغرقهم إغراءات البُعد القسري والعروض السخية. حيث تشكّلت بيئة ممثلين “نازحين” الى رفاهية العمل الثري السخي الرفيع. والذين “مانعوا” ثبتوا أقدامهم في خبرتهم، وجاءت أيامهم بعد غيبة لا غيبوبة.
“كسر عضم” كان عملاً لا غبار عليه، قسى واستفاض بالقسوة، كعادتها رشا شربتجي، فكيف مع “كلاكيت” أياد نجار صاحب “ولادة من الخاصرة” هذا المسلسل الذي كان بمثابة نبوءة قاسية، تحققت وتأكّدت.
هذه المرّة، لا نبوءات… لكن حقائق، لا بد أن نؤخذ على محمل الجد كي لا تعود حياة وآلام السيد المواطن السوري.
“كسر عضم” كان كاسراً لقيود كثيرة، لم يصدّقها البعض، فشكك وما صدّق، لكنها الحقيقة، تماماً كما شكّك البعض سابقاً بنوايا أجهزة الرقابة عندما أجازت “ولادة من الخاصرة” وقبله “غزلان في وادي الذئاب” وكأننا لم نتعوّد على جمرات بخور الحرية المتمادية، وكأن البعض لا يريد أن يصدّق مقولة سابقة قالها رئيس سوري “لا رقابة على حرية الفكر سوى رقابة الضمير”…
تعالوا الآن نتحدّث أكثر عن “مع وقف التنفيذ”. هذا العمل الذي كانت فيه حالات هوليوودية من التمثيل والواقعية التي لم تتجاوز حدود العقل والمنطق، وظلّ ضمن اليوميات البسيطة، بقسوتها وفرحتها وتقاليدها.
هو دخول في عمق بيئة أرخت الحرب عليها ظلالاً لا حدود لها، مع الكثير من المفارقات المختبئة في الصدور وتحت الملابس وخلف النوايا. حكايات تنازعها ألم الموت، والفقر والخسارة والفوضى والأسرار التي ما عاد منها مع أهلها إلا الخيبات بلا الضحكات.
حارة عاد إليها سكانها بعد حرب وفرقة وهروب ونزوح. منهم الذي تغيّرت كل ملامحه النفسية، ومنهم من ظلّ على ما كان عليه، ومنهم من تعلّم من الوجع كيف يصبح موجعاً لا موجوعا، أو قاتلاً ليس قتيلا.
سلاف فواخرجي، إخترعت شكلاً جديداً للقسوة بوجهين متناقضين. هنا هي الضعيفة المكسورة المرعوبة ، ثم هناك هي الشيطان بعينيه وقرنيه ودمويته، كانت تكتفي بنظرة عين، لتخبرنا متى هي الخائفة، ومتى هي المخيفة. ‏‏تفوقت سلاف فواخرجي على نفسها مرة جديدة بهذه الشخصية المهمة الغامضة الصعبة من جهة أخرى كان عباس النوري ممثلا كبيراً جداً، فقام بتركيب شخصيته بشكل عبقري، وكأنه خالط خبثاء الحرب، وفئة المدلّسين الإنتهازيين، الذين قرأنها عنهم في كتب الحروب وما تنتجه من فطريات سامة. هذا العباس العبقري، ما رأينا منه يوماً إلا الأداء الثابت الواثق الخبير. أما غسان مسعود هذا العالمي الذي صنع من دوره البسيط محوراً لا غنى عنه. وكذا فعلت شكران مرتجى “سكّر” التي كانت مثل حبة السكّر لا غنى عنها رغم بساطة تكوينها. لم يكتب لها الدور الكثير من الكلام، فكتبت هي لسكّر بعينيها الكثير من القول والفعل والتأثير والألم. صفاء سلطان كانت في المكان الصحيح، هذه الجميلة الروح، المتمرّدة الحنونة، الدافئة التي تشعّ جمالاً وإغراءً وإصراراً ، وبنفس الوقت ضعفاً وقلقاً وانكساراً وفي آخر الطريق هزيمة واستسلاماً.
ألا نحسب لفادي صبيح ألف حساب وحساب؟ وهو الذي تلاعب بشخصيته كما البهلوان المحترف؟ ألم ينقلب ببن مشهد وآخر، بل بين نظرة وأخرى من حامل الساطور الى القلب المكسور؟ من يعرف هذا الإنقلاب كيف يكون؟ هذا مراس مشهود له، ومدرسة لا تخرّج من صفوفها أكثر من بعض طلاب فيهم السرّ العجيب.
سيف الدين سبيعي، لم يكن فقط المخرج الشاطر، الحساس، العارف والواعي، بل أيضاً الممثل المغني الجبان الطيب الهشّ!
زهير عبد الكريم، لم يمنح الشخصية أكثر مما تستحق، لكنه عرف كيف ينتزع منّا حالة شجن جميلة، وكأن في عينيه المفتاح والسرّ .
هل أحدثكم عن فايز قزق؟ هذا الأستاذ الذي احتلّنا كما احتل مساحاته في العملين؟ وبشخصيتين تميّزتا كثيراً رغم اشتراكهما بالشرّ والأذية.
ويامن الحجلي هذا الذي بكى وأبكى وكم من أب مفجوع رأى نفسه فيه!
أما إذا وصلنا الى بشار اسماعيل، فهنا سنعود الى زمن الكبار الذين ما هزمتهم الهزيمة، ولا أحبطتهم الفجيعة. وما زال الكبير كبيراً…
دراما سورية، لم تقفل بابها، بل هي استعادت اليوم بعض ألقها، ويبدو أن باباً أُعيد فتحه، والقرار بالتنفيذ كان فورياً …
مبروك، لسورية .. كل شيء جميل!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى