صلاح الشرنوبي … تكريم كبير قبل أن يقفل الباب !
كتب جمال فيّاض
كرّم “موسم الرياض” ضمن برنامج حفلاته الكبيرة في العاصمة السعودية، الموسيقار المصري الكبير صلاح الشرنوبي، في حفل ضمّ كبار نجوم الغناء العربي، وبحضور حشد من الشخصيات الفنية الفاعلة ، من ملحنين وشعراء أغنية وإعلاميين ونقّاد فنيين. ومنتجين وكبار صنّاع الموسيقى محسن جابر (عالم الفن) ومحمود موسى (ريلاكس إن)، وبحضور صاحب الحفل الملحّن الذي أغنى الغناء العربي في العقود الثلاثة الماضية . وعلى رأس هذا الحفل، كان المشرف ومايسترو كل هذا العيد الذي لا ينتهي ولا يتوقّف المستشار تركي آل الشيخ، وهو الشاعر الفنان الذي كتب عشرات الأغاني الناجحة، والذي بحسّه الفني، يعرف قيمة الفنانين العرب، دون أي تمييز أو تفرقة بين مصري ولبناني وسوري ومغاربي أو مشرقي أو خليجي أو سعودي.
دأبت المملكة العربية السعودية على تنظيم حفلات ومهرجانات فيها إضاءات كبيرة على أعمال كبار الفنانين الملحنين والشعراء والمطربين . الذين أغنوا تاريخ الأغنية العربية بمختلف ألوانها وأطيافها وتراثها المحلي والعربي.
شارك في هذا التكريم أسماء غنّت من ألحانه أجمل الأعمال، وغنّت أعماله الجميلة لفنانين رحلوا وتركوا بصمات متنوّعة في الغناء العربي. هذه الأسماء التي ما زالت تتربّع على قمة النجاح منذ عشرات السنين، دون أن يزحزحها ملل أو تراجع لا من الجمهور ولا من طموحاتهم ونشاطهم ودأبهم على الإستمرار. وليس بسيطاً ولا عابراً أن ترى نجوماً مثل راغب علامه وعاصي الحلاني وأصالة ونانسي عجرم ووائل جسّار وأسماء المنوّر، بالإضافة الى نجم الشباب محمد الشرنوبي يبدعون في كل ما يقدموه مهما كان صعباً… وكالعادة لا تترك هيئة الترفيه الحفل دون أن تتطرّزه بمفاجأة بمثابة جوهرة الإحتفال، فكانت إطلالة الكبير جورج وسوف، مسك ختام الحفل.
على مسرح “أبو بكر سالم” الذي يشهد منذ سنوات أكبر حفلات “موسم الرياض” التي تنظّمها وتخطط لها بحرفية وذوق “هيئة الترفيه” وشركة “بانشمارك”. أطل النجوم الكبار بأغانيهم التي لحنها لهم الموسيقار المميز صلاح الشرنوبي، وبأغاني لحنها لنجوم كبار كان هو أساس نجاحهم المتجدد بعد نجاحات سابقة. وبين أغاني المطربين الحاضرين، وأغاني الراحلتين وردة الجزائرية وذكرى التونسية، إستمتعنا بأداء جميل وغناء بمنتهى السلطنة، مع فرقة موسيقية مبهرة بقيادة الفنان المايسترو تامر فيضي، الذي بدا واثقاً جداً ومتمكناً من موسيقييه وما هو مكتوب لهم بالإحاسيس قبل الورق والنوتة …
الملاحظة الأولى التي يمكن تسجيلها، هي وجوه العازفين والكورال التي كانت مشرقة وباسمة ومستمتعة بما تقدمه على المسرح، ففي كل لقطة كان المخرج الجميل والمحترف كميل طانيوس يأخذها لعازف صولو، أو للكورال المرافق للمطربين، كنا نرى السعادة والإحساس والإستمتاع بالموسيقى والغناء… صلاح الشرنوبي، كما بليغ حمدي، تسمع ألحانه ونغماته بمتعة من أعماق الروح، وليس فقط بالوقار والإحترام والتقدير. نغمة صلاح الشرنوبي، فيها الكثير من الحياة، وحسناً فعل المنظّمون، عندما لفتوا الى دور الفنان الراحل المايسترو طارق عاكف، في تدعيم ألحان الشرنوبي بالتوزيع الممتع، والمنكهات الجميلة والعذبة حيناً والصاخبة أحياناً والحسّاسة دائماً. كان طارق عاطف توأم روح صلاح الشرنوبي، وشريكه بالولادة الكاملة للأغاني والمفعمة بالجمال .
الملاحظة الثانية، هي تلك اللفتة الجميلة جداً للشاعر الكبير عمر بطّيشه، أحد كبار شعراء الأغنية المصرية، الذي لحّن له الشرنوبي بعضاً من أجمل شعره الغنائي، وهو الذي كانت له صولات وجولات ونجاحات خالدة بأصوات كبيرة مثل فايزة أحمد ووردة الجزائرية ونجاة الصغيرة وشادية وغيرهن من نجمات ونجوم الزمن الجميل.
فلنستعرض أسماء الكبار الذي وقفوا على مسرح هذه الليلة الجميلة…
راغب علامه كان بمنتهى الشياكة والأناقة والجمال، أدى أغانيه بعذوبة فائقة، وبتكريم خاص لكل لحن إستعاده معنا ونحن نتذكر هذه الأغاني التي كانت وراغب علامه على شراكة دائمة بمشاعرنا لسنوات طويلة.
أصالة كانت أستاذة كبيرة، وهي تؤدي أغانيها وأغاني غيرها من ألحان الشرنوبي، فسحرت وأبهرت وأغنت بحضورها مشاعرنا بالأحاسيس والإعجاب الذي فاق المتوقع منها.
عاصي الحلاني كان كما هو دائماً كتلة من الحيوية والشباب، أبهر وأضاف الى أغنيته من الشرنوبي الكثير من المطيبات، وكانت لأغنيته هنا ولادة جديدة، فيها الكثير من النضج والحلاوة.
نانسي عجرم، لا يمكن أن تمرّ بلا عطر أو غزارة بالأداء السليم والإحساس الناعم، والجمال والرقة كما ألحان الشرنوبي التي غنتها. نانسي العذبة، إشعاع من الجمال والحضور الساحر والآسر.
أسماء المنوّر، تركوا لها الصعب والأصعب، فقدمت أغاني الراحلة ذكرى، وتخطت الإمتحان بنجاح، وكانت على قدر المهمة. ذكرى التي كان الشرنوبي يلحن لها بدائع التعجيزفي الغناء، وكانت تبهرنا وتجعلنا نتقبّل سماع الصعب بمتعة السهل الممتنع، تولّت أسماء المنوّر إعادة اللحظات لنا، والذكريات الجميلة، فكانت هي الجميلة والأنيقة والمطربة الحقيقة.
وائل جسّار، المتمرّس بهذا الغناء، وهو المتخرّج من مدرسة وليد سعد القدير، الذي بدوره كان الإمتداد الجميل لصلاح الشرنوبي. وائل جسّار لم يكن يوماً إلا الأداء المتمرّس بالغناء الذي يتطلّب أصعب القدرات، وما خاب ولا خيّب السامع يوماً.
محمد الشرنوبي، هذا المبهر القدير منذ أولى خطواته في الغناء حتى اليوم، أطلّ بهيبة الكبار، والأداء الذي يأسرك وفي كل نغمة وكل كلمة تحدّي الصعب. هذا الذي يمكن تسميته أمل مصر بالغناء الجميل، والأصيل. لا غرابة في الأمر فهو إبن الموسيقار فاروق الشرنوبي شقيق الموسيقار صلاح الشرنوبي، فماذا الذي يمكن أن نتوقعه منه غير هذه الروعة وهذه الحرفية ؟
ماذا بعد؟ كادت السهرة الممتعة الكاملة المتكاملة، تنتهي ونحن سعداء وقد أكتفينا وأستمتعنا ببرنامج كامل الأوصاف، فإذا المفاجأة الذهبية في اللحظة الأخيرة … وأي مفاجأة؟ يطلّ السلطان الأصيل والجميل جورج وسّوف، فتطلّ معه الفرحة الكبرى، تطلّ معه الفخامة والسلطنة التي توّجت السلاطين الكبار الذي كرّموا الموسيقار العربي، فيغنّي إحدى روائع الشرنوبي التي غناها منذ عقود وما أكثرها، وما زالت حاضرة في المشاعر والقلوب وكأنها مولودة معنا وفيها منّا وفينا منها الكثير … يطلّ جورج وسّوف، فلا إرهاق يعجزه، ولا حزن يوقفه، فقط هو بين زملائه في الروح لا فقط بالغناء، فيغني بينهم ويغنّوا له، فيسلطن الجمهور في المسرح وعبر الشاشات في جميع أنحاء العالم. يغنّي بكامل طاقته وكامل صوته، وكأنه ولد من جديد، وكأنه ما نالت منه السنين ولا أرهقه المرض، ولا أتعبته وقفة المسارح… جورج وسّوف كان كما جوهرة متألقة تبرق وتلمع وتشعّ فتمنح من وقفوا حوله نوراً وحياة وحبّاً لا حدود لهم.
أجمل ما في هذا التكريم لموسيقار كبير بحجم صلاح الشرنوبي، أنه جاء قبل أن يعتزل ويقفل الباب على الغناء والألحان والموسيقى الجميلة… فبعد صلاح الشرنوبي ، لم نسمع الكثير من الإبداعات … ويبدو أننا لن نسمع الكثير ، فقد طغت أغاني وألحان “المهرجانات” في مصر، وأغاني وألحان “الكباريهات” في لبنان … ومثل مهرجانات “موسم الرياض” قد تكون فيها بعض الأمل بإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.. لسبب بسيط، قد يكون غاب عن بالنا، أن الملحن الذي لا يجد تقديراً معنوياً ومادياً، لن يجد الرغبة في الإبداع، طالما النجاح والشهرة والثروة كانت تذهب للمطربين فقط …