طلب السادات، فغنّى النقشبندي لبليغ !
كتب جمال فيّاض
نفتقر كثيراً الى الأغنية الدينية الجميلة. وتكاد الأغاني تقتصر على الحب والغرام والهيام والألم من الفراق والوحدة، أو في الحالات المرضية المتقدّمة، تكون الكلمات مجرّد كلام سطحي يثير الضحك أكثر مما يثير الإعجاب. منذ أيام، أرسل لي صديق أغنيته الجديدة، وطلب رأيي بها. وعندما قلت له رأيي الصحيح والحقيقي، غضب ولم يجب أو يعود للتواصل معي. والظاهر أن بعض الفنانين، وربما أغلبهم، أو كلّهم على بعضهم، يريدون سماع المديح لا الرأي. وهذا ما لم نتعوّد عليه. المسؤولين الذين هم في مواقع السلطة المختلفة، لا يأبهون اليوم لما يحصل في الفن والغناء والسينما. ففي زمن الفن الذهبي، تحقق لقاء السيدة أم كلثوم بالموسيقار محمد عبد الوهاب، بتمنٍ من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وكانت يومها أمنيات الرئيس وتمنياته أوامر. وبعد إصرار منه حصل اللقاء، الذي دبّر له عازف الكمان الشهير أحمد الحفناوي خطة محكمة، لنحظى برائعيتهما من كلمات أحمد شفيق كامل (إنت عمري). ويروي الصحفي والمؤرّخ الراحل وجدي الحكيم كيف إستطاع الرئيس الراحل أنور السادات أن يفرض التعاون الفني بين الموسيقار بليغ حمدي، والمنشد الديني الكبير الشيخ سيّد النقشبندي. وقد التقيت بالراحل وجدي الحكيم في الجزائر في إحتفالات الذكرى السنوية الأولى لرحيل الفنانة وردة الجزائرية. وفي سهرة سألته عن الموضوع فقال: “كان الرئيس أنور السادات يحتفل بخطوبة إحدى بناته في قصر القناطر عام 1972. ويومها كان الشيخ سيّد النقشبندي يؤدي وصلة مديح نبوي بصوته الجميل والمميّز. وعندما اقترب منه الرئيس السادات، كان بليغ حمدي يقف الى جانبه. فلمعت في رأس السادات أن يغنّي النقشبندي أغنية دينية بلحن من بليغ. فقال للشيخ “عايز أسمعك بألحان بليغ”. ويروي الحكيم، أن بليغ كان دائماً يتمنى لو يلتقي بصوت النقشبندي، وهو ظنّ أن أحد الأصدقاء لمّح بهذا الكلام أمام الرئيس السادات، فكانت مناسبة لطرح فكرته. فرح بليغ جداً، وتردّد النقشبندي جداً. يقول وجدي الحكيم “طلب الرئيس أن أسهّل الأمور لهما في ستوديوهات الإذاعة، وذهب”. فأسرّ الشيخ لوجدي، قال “وأنا إيه اللي يجيبني في سكّة بليغ حمدي؟ أنا على آخر الزمن حغنّي؟ بليغ ده تبع رقص ومزيكا وألف ليله وليله، وشباب وحياة وفرايحي”. ولكن بما أن الأمر السادات صدر، فلا بد من المحاولة. قال النقشبندي لوجدي الحكيم”إسمع يا وجدي، سأجلس مع بليغ وأستمع لما يمكن أن يقدّمه لي، وأنت تسيبنا شويه وتروح. لو رجعت لاقيتني لابس العمامه، يبقى مش عايز. وتخترع حجّه تخرجني من الستوديو، وعلى أساس أننا سوف نلتقي في مرة قادمة. أما لو لاقيتني قالع العمامه وحاططها جنبي على الكرسي، يبقى عجبني، وعلى بركة الله”. وفي الموعد المحدّد كان بليغ جاهزاً، ويبدو أنه كان يعدّ لهذه اللحظة من زمان. فقد كان جاهزاً بعدد من الإبتهالات. وعندما جلسا معاً، تركهما وجدي الحكيم لربع ساعه وعاد، ليجد الشيخ النقشبندي وقد خلع نصف ملابسه. ووقف مثل طفل صغير وفرحان بلعبة جميلة، وقال “إيه يا وجدي ده؟ الله أكبر، بليغ ده جنّ، ده عبقري”. وقد سجّل الشيخ سيّد النقشبندي في هذا اللقاء الإبتهال الشهير “مولاي إني ببابك”. وتلاه عدد كبير من الإبتهالات الدينية، من كلمات الراحل عبد الفتاح مصطفى. ومنها “”أشرق المعصوم” و”يا ليلة الدهر” و”يا رب أنا أمة” و”ليلة القدر” و”أيها الساهر” وغيرها من الأعمال التي ما زالت الأكثر شهرة في الغناء الديني.