اخبار الفنكتب جمال فيَاض

عاصي الحلاني في دار الأوبرا السلطانية في عُمان … شهادة سلطانية لمشوار كبير ..

كتب جمال فيّاض

إحياء الفنان اللبناني عاصي الحلاني لحفل كبير في دار الأوبرا السلطانية في سلطنة عُمان، ليس خبراً فنياً عادياً. فالوقوف على هذا المسرح ليس أمراً متاحاً من الناحية الفنية لأي كان. هذا المكان الذي لا يستقبل إلا كبار الفنانين العالميين، خصصته السلطنة وتحديداً مكتب سلطان عمان، للفن الرفيع… للفن الراقي، وللفن المحترم. لا ينال شرف الوقوف عليه إلا من كرّسه الفن، أحد كباره، وأحد نجومه الملتزمين. ملتزمين بماذا؟ لأصول الغناء، والموسيقى، والنغمة. فلا توجه إدارة هذه الدار الدعوة، إلا لمن سجّل إسمه بنجاح ثقافي وتراثي وقيمة. وكم من نجوم حققوا شهرة وانتشاراً ونجومية، ولم تراهم دار الأوبرا السلطانية. وظلّت شروط التقييم صعبة ومحددة وثابتة. لا يقف هنا، إلا من احترم الفن الذي يقدمه، والجمهور الذي يحضره. تجربة عاصي الغنائية تنقسم الى قسمين. الأول هو الإلتزام التام بالفولكلور والتراث الفني الشامي عموماً، واللبناني خحصوصاً. وما انطلق به عاصي غناءً، كان ملتزماً، بتراث موسيقي وشعري وغنائي نبشه من تاريخ الفن، الذي كادت الحضارة والتكنولوجيا تطمسه وتخفيه بين الآلات الموسيقية الكهربائية والإيقاعات الفوضوية. فنبش عاصي الإيقاعات، والنغمات، والكلمات الشعرية التراثية بدقة وحافظ عليها، ونفض عنها الغبار وقدمها بروح متجددة، دون أن تطغى الحداثة عليها، أو تعدّل فيها. وكلنا تعلّم مما قدمه عاصي، تراثنا وشعرنا ومواويلنا التي ما عرفها جيل الشباب إلا منه. وقد يكون طرق هذا الباب كُثُر مثله وقبله، لكن عاصي الحلاني، بحيويته وشبابه ورشاقته، وحسن الأداء ودقة التركيز على التفاصيل، أطلقه وأحياه. وعاد عاصي، وأرفق كل هذا بالمكمّلات الضرورية، مثل الدبكة البعلبكية والبدوية، والطبول والآلات الموسيقية التراثية من مزمار وربابة وحتى الملابس التراثية. صار عاصي بما قدمه كتلة من ثقافة جميلة، تستعيد حياتها، وتتجدّد للأجيال. وتحتل مكاتها بين الأذواق التي ما عرفتها أصلاً منذ أعمال الرحابنة وفيروز، وربما بعض ما قدمه زكي ناصيف، وأغاني سميرة توفيق. لا أحد يُلغي كل الشباب الذين حاولوا تقديم هذا التراث، لكن لا أحد ينكر أن عاصي الحلاني إبن البقاع وبعلبك، كان الأكثر تأثيراً. وبين البدوي، والموال اللبناني، والهوارة والغناء “السويحلي” السوري، جمع عاصي تراثاً لبنانياً وشامياً وعراقياً وقولبه، وثبّت مكانه للأجيال الشابة. وكانت النتيجة أن تنقّل بين دور الأوبرا العربية، والأوروبية وقال، هذا كل ما لدينا، إحفظوه وحافظوا عليه. الفرق بين ما قدّمه عاصي، وما قدمه عبد الحليم كركلا مثلاً، أنه دخل من باب الشباب، ومن باب شهرة شعبية وجماهيرية عامة، ولم يدخل من باب الإختصاص الثقافي، الذي قد يكون ثقيلاً على سمع بعض العامة.

وكأن وقفة عاصي على مسرح دار الأوبرا السلطانية في عُمان، مع فرقته الموسيقية، وفرقته الإستعراضية الفولكلورية، كانت بمثابة شهادة فخرية، واعتراف بأنه أنجز وقدّم، وتمّ تتويجه وتكريمه على جهد استمرّ لسنوات، حتى ثبت أنه فعل شيئاً يستحق عليه التقدير.

بوقفته على هذا المسرح، يمكن القول أن عاصي الحلاني، أنجز أمراً لا يمكن الإستهانة به. ولا يمكن اعتبارها مجرّد حفلات عادية حضرها جمهور، وجمهور الأوبرا السلطانية معروف بمستواه، ولا التصفيق كان تصفيقاً تقليدياً يأتي بالعدوى كتحصيل حاصل. فالجمهور الرفيع الذوق، عندما يقف، ويصفق طويلاً لفنان وفرقته الكبيرة من موسيقيين وراقصين، فهذا يعني أنه كان امتحاناً صعباً ونهائياً، وكانت هذه مرحلة التتويج. ولا يعرف قيمة مثل هذا إلا الذين عرفوا عن قرب، شروط المجيء الى دار مثل هذه الدار.

مبروك عاصي الحلاني، مبروك أنك كنت دائماً خير ممثل وأجمل وجه من وجوه لبنان الجميلة في مختلف المجالات…

قدرنا، أن نُرهق وطننا بالأزمات، ويأتي الفنانون ليعيدوا لنا الأمل بأننا ما زلنا في مرتبة رفيعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى