“عاصي الزند” … زند الدراما العربية الى العالمية
كتب جمال فياض
عندما سمعت أن مشروع مسلسل ضخم من بطولة الفنان تيم حسن، قيد التحضير للعرض في شهر رمضان 2023 ، توقعنا أنه سيكون بلا شك عمل جميل ومهم وعلى مستوى يليق بتاريخ النجم الشاب، وتاريخ وخبرة المخرج سامر البرقاوي، وإمكانيات وتاريخ وخبرة شركة الإنتاج والمنتج صادق الصبّاح. توقعنا الكثير، وأنتظرنا عملاً كبيراً، خصوصاً أن التصوير سيكون في سورية، حيث الإمكانات المتاحة ستكون كبيرة، سواء في أماكن التصوير أو في فريق العمل السوري الذي نشهد لخبرته وجودة ما قدمه على مدى سنوات من دراما نافست ونجحت وأبهرت. وجاء الموعد المنتظر، ونحن لم نكن وصلنا من ملامح العمل سوى شاربي تيم حسن عندما ظهر في حفل افتتاح فيلم “الهيبة” السينمائي في بيروت ودبي. يومها سألنا، فقالوا هذا عاصي الزند في مسلسل “ذئب العاصي” القادم.
إنتابنا القلق، تيم حسن بعدما حلّق في “الهيبة” بأجزاء متتالية، وبعدما حصد نجاحاً فاق نجاحاته السابقة، في “الملك فاروق” و”نزار قباني” وأعمال كبيرة، ما الذي سيأتي به بعد؟ ما الذي سيفعله ويقدمه؟ سيكون صعباً جداً أن يقنعنا بشخصية بعد جبل شيخ الجبل. حتى جاء العاصي. وهنا كانت المفاجأة، من الحلقة الأولى، بل من المشاهد الأولى، أسر عاصي الزند عيوننا وقلوبنا. وتحوّل بلمحة بصر الى إبهار من نوع آخر. الى شيء لا رأيناه من قبل، ولا توقعناه . فقد فتح سامر البرقاوي كامراته على مشاهد لا تمرّ أبداً دون أن نفتح أفواهنا مبهورين ومشدوهين. هذه مفاجأة، تشبه من أتانا بالعيد قبل موعده. فالضخامة والفخامة في الإنتاج، تجعل المشاهد يرى أي مكانة أصبحت فيها الدراما السورية بل العربية. صحيح أن المنصات العالمية تفرض حجماً من الإنتاج وتشترط مواصفات كبيرة، لكي تعرض الأعمال مترجمة ومدبلجة، وهو ما تلتزم به شركات الإنتاج، لكن في “ذئب العاصي” شطحت الأمور نحو مواصفات عالمية، ما عاد يمكن اللحاق بها. وهنا لا بد أن أبتسم من عبارات سبق وقلناها في “الهيبة” عندما أشدنا بالإمكانيات وسخاء الإنتاج، حيث نرى اليوم أن هذا الذي نراه اليوم، يبدو أنه سبق وتخطى بخطوات وخطوات كل ما قلناه.
حتى الممثلين الشباب في هذا العمل، كانوا مجموعة من الوجوه الجديدة، لكن المحترفة كما لو كانوا من أصحاب الخبرة والشهرة.
أما سامر البرقاوي، وما أدراك ما البرقاوي، هذا مخرج كبير جداً، مخرج يتخطى المكان والزمان. أظنه يجلس الآن في صدر القائمة الذهبية لكبار المخرجين، ليس العرب فحسب، بل العالميين. هذا عقل كبير، وخيال واسع. لا تفوته نظرة من نظرات الكاميرا. وهو يحرّك ممثليه وكأنهم في عقله، وكأنه في داخلهم. نسمع عن تناغم بين ممثل وآخر، لكن أن يكون التناغم بين المخرج ومئة ممثل؟ فهذا لعمري حدث ما رأيناه ولا سمعناه إلا من مخرجين نادراً ما مرّوا في عالم السينما والتلفزيون.
يبقى كل هذا في حساب، وتيم حسن وحده في حساب آخر. فقد إبتكر تيم لعاصي الزند، نظرة ولكنة وشكل وتعابير وجه، ما كان لممثل عادي أن يجدها لولا أن الموهبة تأتي من الداخل العميق. تيم حسن، عندما وضع شاربيه ليكون عاصي، وضع خلفهما نظرة، ولكنة وملامح وحركة حنك وفم وجسد، هو رسم الرجل من الرأس حتى أخمص القدمين. وتفرّد كما نجوم هوليوود في مفاجأة المشاهد وأتاه من حيث لا يتوقع.
وإذا كنا نجد في كل ممثل من فريق العمل نجماً في مكانه، فلا يمكن أن نتجاهل تفرّد هذا الشاب الآتي إلينا بقوة وثقة، عنيت الفنان أنس طيّاره. الذي نافس وأجاد وحجز لنفسه مكاناً بين أوائل الغد. طبعاً بعد الإشارة بأصابع الإعجاب بأعلى الأضواء الى الأستاذ فايز قزق ، وهو الكبير الذي تتواضع الكلمات أمامه.
عاصي الزند، حكاية تحوّل كتبها بذكاء حاد عمر أبو سعدة، وهي قصة من زمن الإحتلال العثماني، لكنها تطابق حالنا السياسي اليوم، خصوصاً عندما يتحوّل المناضل الى فاسد وإنتهازي وأناني … هي قصة تطابق كل مكان وزمان، بعمومها وتفاصيلها. وإذا كان البعض إستصعب فهم بعض كلمات اللهجة، فالتعوّد ممكن وسهل، ولنا في اللهجة الصعيدية المصرية خير مثال سابق.
إنتاجياً، سيكون من الآن فصاعداً، دراما ما قبل “ذئب العاصي” ودراما ما بعد “ذئب العاصي”. ما عادت الجماهير تقبل بأقلّ مما شاهدته في هذا العمل الكبير.