اخبار الفنكتب جمال فيَاض

عاصي والفرح … جبر الخواطر على الله!

كتب جمال فياض

كنت مديراً لمكتب مجلّة “روتانا” في بيروت، وكان في المكتب مجموعة من المحررين والمراسلين والمصورين، تعمل مثل خلية النحل لتزويد إدارة التحرير في الرياض بمختلف أنواع المواد الصحفية والتحريرية والصور الفوتوغرافية والتحقيقات والمقابلات وأخبار النجوم والمشاهير في بيروت. وكان بين المحرّرات صبية شابة نشيطة ، تحرر مادة الموضة للمجلة وتجهّز بعض المواد التي تهمّ المرأة. والشابة اللطيفة كانت مخطوبة، وتستعد لإقامة حفل زواجها . وذات يوم دخلت علينا في مكتب المجلة وقدمت لنا بطاقات دعوة لحضور فرحها في صالة أفراح متواضعة متوسطة التكاليف،للضرورات المادية. وسألتها من سيحيي الفرح قالت، هذا ما كنت سأطلبه منك، أن تطلب من أحد المطربين الذين تعرفهم إذا كان ممكن لو يأتي لفرحي،دون مقابل، لأن الوضع لا يحتمل أي مصاريف. سألتها مثل من مثلاً؟ قالت أي شاب من هؤلاء الذين تعجّ بهم المطاعم، وإذا كان ممكناً أن يأتي ومعه عازف أورغ يمكن أن ندفع له مئة دولار. يغني ساعة زمن ونفرح به ونتابع سهرتنا مع ال”دي جي” مشغّل الأسطوانات. قلت لها، وما رأيك لو دعونا عاصي الحلاني؟ صمتت، ولم تبتسم ولا علّقت على الكلام، فقد اعتقدت أني أسخر منها…
أعدت عليها السؤال، وقلت :ما رأيك لو دعونا عاصي الحلاني؟
فقالت، يا أستاذ، كل ما أريده مطرب صاعد يغني ساعة زمن، لا أطلب أكثر!
تناولت هاتفي واتصلت بعاصي وقلت له، هل لديك أي ارتباط في لبنان أو الخارج في الأسبوع القادم ؟ وحددت له اليوم بالضبط ..
قال:مبدئياً لا، وسأتأكد من مدير أعمالي.. ماذا لديك؟
قلت : محررة زميلتنا في المجلة نحيي فرحها في هذا اليوم في صالة أفراح في بيروت، وستصاب بهلع السعادة إذا حضرت أنت لتبارك لها …
قال : حاضر ، سأحضر ونبارك لها وتكرم عينها!
أقفلت السماعة، وانهمرت دموع الزميلة المحررة بالبكاء من الفرح! فقلت لها، لا تخبري أحداً بالأمر، فقد تستجد في الأمور أمور ويضطر لعدم الحضور فتصيبك خيبة ما بعدها خيبة.. أصمتي وخلليها مفاجأة، إن حضر كان خيراً ، وإن لم يحضر فلا تصابي بخيبة ولا إحراج. وسنؤمّن مطرباً من درجة المبتدئين ليغني في الفرح.
في يوم الفرح، بدأ النهار بعواصف رعدية وأمطار غزيرة، وكأن غضب الطبيعة كله حلّ على لبنان… طوفان من الشتاء، سيمفونيات من الرعد والبرق حتى بدا لنا أن القيامة قامت. وعند الظهر تلقيت اتصالاً من عاصي يبادرني: أنا في الحلانية ، هل الفرح اليوم ما زال قائماً؟ قلت :طبعاً قائم… قال: إذا سأحضر الآن قبل أن يقفل تساقط الثلوج طريق البقاع بيروت عند ضهر البيدر كالعادة في مثل هذا الجو العاصف… وبالفعل، وصل بيروت الساعة الثانية ظهراً، وأقفلت الثلوج الطريق بعد عبوره بدقائق…
وصل بيروت وكلمتي ليؤكد: قطعنا في اللحظات الأخيرة وأنا في بيروت ، أين مكان الفرح؟ أعطيته العنوان وقلت له تعال بعد الياعة التاسعة، تبارك للعروسين وتجلس قليلاً وتنسحب… وهكذا كان!
حضر عاصي،وسط ذهول الحاضرين من المفاجأة، فأسعد الجميع بحضوره وطلّته ، وسلّم على أغلب الحاضرين ، وكانت مفاجأة غير متوقّعة ، خصوصاً العروس التي احتفظت بالسر وقالت لنفسها، كما أخبرتني لاحقاً،أنها قطعت الأمل بسبب الطقس السيء وقالت مؤكد أنه لن يحضر في مثل هذا الطقس… لكنه حضر!
الفنان الكبير، يكون كبيراً بتواضعه وجبر خواطر الناس ، وعاصي واحد من هؤلاء … القلائل جداً!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى