ثقافةقضايا إجتماعيةكتب جمال فيَاض

عبد الباسط عبد الصمد … هو إبراهيم نبعه!

لبناني مسيحي ، أحب وهاجر وأسلم وصار شيخ المقرئين!

كتب جمال فيّاض

قد تكون الحكاية مدهشة، يصعب تصديقها، لكنها الحقيقة المستترة، والتي ثبت أنها حقيقة لا جدال فيها.
تبدأ الحكاية عندما يتحدّث منشور مرسل ومتداول عبر التواصل الإجتماعي، يأتي فيه ما يفيد أن سرّاً لم يسمع به أحد، ويقول أن المقريءالمصري الشهير والأبرز في التاريخ العربي الحديث عبد الباسط عبد الصمد، أصله من بلدة “جون” اللبنانية، وهو مسيحي من الطائفة الكاثوليكية وإسمه إبراهيم إندراوس نبعه. وحكاية الفتى إبراهيم المولود أواخر القرن التاسع عشر، والذي كان يدرس في مدرسة خاصة برعيّة الكاثوليك الجونيين، التابعة للرهبنة المخلّصية، وإبن رئيس البلدية وكانت في حينه تسمّى “مجلس الكوميسيون” الذي يعيّنه المتصرّف العثماني، بدأت حكايته بقصة حبّ مراهق مسيحي لفتاة مسلمة شيعية من بنات البلدة. وعندما أراد الزواج منها، قابله رفض الأب والعائلة وكل الأسرة. وهو الذي كان ينهي دراسة الكهنوت، والتي تهيّء الدارس لدخول الأكليروس، حيث الرهبان والمطارنة المعروفين من أمثال المطران فيليب نبعه، الذي شاع صيته في لبنان والعالم العربي. فيليب هو عمّ إبراهيم، وكان الأب يرغب أن يلتحق إبنه الشاب بعمّه، ليخلفه لاحقاً في مركزه الديني الرفيع. فكيف يسمح له بالزواج من مسلمة؟ ردّ فعل الأب كان أن سجن إبنه في غرفة لثمانية أشهر ومنعه عن لقاء حبيبته أو أي شخص قد يجعله يتواصل معها. ظلّ الأب يتعامل بقسوة مع الإبن وغالباً يضربه ويعذّبه ليمنعه عن هواه. ووصلت الأمور مرة الى غيبوبة إبراهيم عن الوعي ووصل إلى حافة الموت. كل هذا لم يغيّر تفكيره بحبيبته. فاستنجد الأب بشقيقه المطران، الذي جاء من مصر ليساعد في حلّ هذه المشكلة، وكان الحلّ أن يأخذ إبراهيم معه الى مصر، ليتابع دراسته الكهنوتية فيها، علّ السفر ينسيه ما هو فيه. ووافق إبراهيم على السفر الى مصر مع عمّه، أملاً بأن يعود لاحقاً ليتواصل مع من يحبها حتى الموت. مضت أربع سنوات، وإبراهيم يتابع دراسته في مطرانية الأسكندرية دون أن ينسى من أحبها في لبنان. لكن حنينه كان يتضاعف كلما سمع ترتيلاً قرآنياً يصل الى مسامعه من الجامع القريب. وكان الحنين يشتعل أكثر فأكثر. وهو وجد في سماعه ترتيل القرآن بعض ما يسعده وهو يتذكّر حبيبته المسلمة. وظلّ يتسلل الى الجامع ليستمع الى القرآن، وتشتعل في قلبه المشاعر والإحساس الكبير بالراحة النفسية. وكان أن اتخذ قراره الكبير، أن يحفظ القرآن، ويرتّله بصوته الجميل والقويّ. ودخل الى مجتمع الصوفيين عبر أحد الشيوخ في المدينة المصرية الكبيرة. وبدأوا يكتشفون فيه موهبة الصوت الجميل، وكمقريء يجيد التجويد بأحسن شكل. سنوات قليلة وأعلن إبراهيم نبعه إسلامه، متخذاً لنفسه إسم عبد الباسط عبد الصمد. وقرّر العودة الى لبنان مع عمّه المطران، دون أن يخبره بأمر إسلامه. وفي الطريق أخبره عمّه أن حبيبته ماتت بعد ذهابه الى مصر بثلاثة شهور. وأنها ماتت حزناً عليه. لم يصدّق إبراهيم الرواية، وأخبره أنه سيتزوجها وأنه أعلن إسلامه ليتزوج منها. المفاجأة سقطت على العمّ سقوط الصاعقة، وأصيب المطران الكبير بشلل نصفي، وسقط مشلولاً من هول الخبر. لم ينزل الشيخ إبراهيم نبعه (عبد الباسط عبد الصمد) من الباخرة، بل عاد الى مصر وظلّ فيها. وهناك تزوّج وأنجب، وحقق شهرته ونجاحه الكبير. وعام 1973 أرسل أبناءه الثلاثة الى بلدة جون في الشوف، ورووا القصة للأقارب وما حصل مع والدهم.
يقول الأستاذ مصطفى نصري شمس الدين، وهو إبن المطرب اللبناني الراحل نصري شمس الدين، أن القصة صحيحة تماماً، وأنه يعرف الحكاية جيداً، وأن والده الفنان الكبير سبق أن سأل عن صحتها في حينه، وأخبره رئيس دير المخلّص المطران أندريه حداد، أن عبد الباسط عبد الصمد، هو فعلاً من بلدة جون، وأنه مسجّل في قيود نفوسها، ولكن بإسمه الأصلي إبراهيم نبعه.
يضيف المحامي شمس الدين، أن منزل آل نبعه ما زال موجوداً في بلدة جون، وأن إبن عمته جوزيف كوكباني ما زال يعيش في جون، وهو يؤكّد صحة انتسابه لأسرته. وأن الخوري في دير المخلّص جون نبعه، شقيق الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (المعروف هنا بإسم إبراهيم نبعه) توفي منذ سنوات فقط. وهو أيضاً ما يؤكّده مختار جون السيد سمير عيسى.
في مصر، تفيد السجلات أنه عبد الباسط محمد عبد الصمد سليم. وأنه من مواليد العام 1927، وأنه مولود في في قرية المراعزة، بمركز أرمنت بمحافظة قنا (الأقصر حالياً). وأنه حفظ القرآن على يد الشيخ المتقن محمد سليم حماده. ودخل الإذاعة المصرية عام 1951، وعيّن قارئاً لمسجد الإمام الشافعي عام 1952، ثم لجامع الإمام الحسين عام 1958 خلفاً للشيخ محمود علي البنّا. وأنه كان أول نقيب لقراء مصر عام 1984 ليتوفّى عام 1988 ويًدفن في مصر.
البعض ينفي هذه الرواية جملة وتفصيلاً، وخصوصاً في مصر. والبعض الآخر يؤكد هذه الرواية بالتفاصيل وخصوصاً في لبنان وبلدة جون. لكن الحقيقة ما زالت بحاجة لمن يحسمها بالبيانات والتأكيد، لا بالعواطف والعصبيات.
وسواء كان هذا أو ذاك، يبقى عبد الباسط عبد الصمد،برأيي ورأي جمهور كبير، أفضل وأشهر مقريء عرفه العرب والعجم وتاريخ الترتيل القرآني، وليرحمه الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى