عمر غدي الرحباني في بيت الدين، الجيل الرحباني الثالث يستمر …
كتب جمال فياض – بيروت
تأبى الأسرة الرحباني إلا أن تفاجيء وتثير الفضول في كل عمل يأتينا منهم، جيلاً بعد جيل. نحن اليوم نشهد ولادة الجيل الثالث من الرحابنة. بعد الأصل عاصي ومنصور، أتتنا مفاجآت الرحابنة الجدد، من زياد عاصي الرحباني، ثم مروان وغدي وأسامه منصور الرحباني. واليوم، دخلنا عصر الجيل الثالث مع الأحفاد، وهنا وقفة مع عمر غدي الرحباني.
“بيانو كونشرتو” يعدّه عمر الرحباني، وهو الموسيقي والبيانيست المتمكّن، والأليف الإطلالة، الباسم “العشراوي”، الذي لا تعيقه الأعمال الرحبانية البديعة التي سبقته، عن التجرّؤ والتمرّد، والمواجهة بثقة العارف بالشيء. عمر، الموسيقي الشاب الذي سيواجه الإمتحان الكبير على مسرح “مهرجانات بيت الدين” بمجموعة من الأعمال الموسيقية من تأليفه وإعداده، وعزفه، مع فريق من الموهوبين المحترفين، دعانا نحن “قلّة قليلة” من أصدقاء سمّيعة، لنسمع التحضيرات النهائية لما سيطلقه في بيت الدين، مساء السادس من آب (أغسطس).
بعد ثلاث سنوات من التحضير، إكتملت الفكرة، وتمّت الحكاية الموسيقية لـ”بيانو كونشرتو” من مختلف أنحاء العالم. من موسيقى الهند، إلى البرازيل وكل العالم الذي احتوى على المخزون الكبير من الموسيقى الصعبة على الكتابة، السهلة على الإستمتاع بسماعها وإحساسها. وها نحن اليوم، نجلس مع عمر الرحباني وأنامله الجميلة على البيانو (وهو المؤلّف الموسيقي القدير)، ومعه مكرم أبو الحسن (كونترباص) وهايك بابايان (تشيللو)، وهايك تيرهوفانيسيان (على الفيولا) وسيرغي دايان (كمان)، وماريو الراعي (كمان أوّل) وريكاردو أبي هايلا (درامز) وكريستوفر مايكل شاهين (إيقاعات). سمعنا وأقنعنا عمر ومنحنا ساعة من الصفاء الجميل، المغلّف بالأمل، بأن للموسيقى بيت محميّ من أسرة ما زالت مستمرة في كتابة تاريخ لبنان الإبداعي،بدون رشوة، ولا وساطات ولا فساد بصري وسمعي مصطنع.
أسمعنا عمر من موسيقاه الـ”باسبورت شامبر” ، ولم تكن مجرّد طرفة، بل كانت موضوعاً موسيقياً مؤثّراً، يفرض على الأذن الإصغاء بكل الأحاسيس. وتريات فيها سحر الخيال الذي يداعب أحلام الأطفال. كمنجات، وفيولا، وتشيللو، وإيقاعات ولا في الخيال. على هذه الأحلام الحلوة، يقدّم لنا عمر نظرة الطفل الفـَرِحة الى “داخون معمل الذوق الكهربائي”، فصوّر لنا المشهد بالموسيقى، وكله سعادة، لأنه كان يراه بعين الطفل البيضاء المفتونة بالشكل، قبل أن يكبر ويعرف المضمون وسواده. بدعة أن تحوّل صورة ومشهد وتفكير الى موسيقى، موزّعة على مفاتيح البيانو البيضاء، وهي تختلط بالمفاتيح السوداء. هذه النظرة التجميلية، لا يمكن للموسيقى إلا أن تجمّلها بألم لا تصفه إلا الموسيقى. تلك الموسيقى التي كتبها عمر، لتتحوّل على أوتار الكمان والتشيللو على وزن إيقاعي لا يستأذن لنسمع منه الجمال والمتع التي لا تزول. على جبهة أخرى، يطلّ عمر الى المخزون الرحباني المتمسّك بذاكرتنا. فيعيده مرّة أخرى، لمن لم ولن ينسوه مهما طال الزمن. سيعيده عمر بتوزيع وملابس موسيقية فيها موسيقى الأزمنة الحديثة. سيردّها عمر علينا بفلسفة وروح وشباب متجدّد. سمعنا وسمعنا، وأردف يخبرنا أن ما أعدّه لهذه السهرة، أكثر وأكثر من الذي سمعناه.
جلسة لساعة واحدة، فيها جرعة إطمئنان كبيرة، أن لبنان ما زال بخير، والموسيقى في لبنان ما زالت بخير، والجمال ما زال بخير، والإبداع ما زال بخير، وعصر الرحابنة من جيل الى جيل، ما زال مستمراً وهو نبع لا ينضب.
شكراً عمر الرحباني، سنستمع إليك بمزيد من الشوق والشغف، في السادس من آب القادم، وعلى الموعد سنكون أكثر شوقاً مما تتوقّع.