فيروز والشيكّ المصرفي المصري ..ومفيد فوزي وسوزان مبارك
كتب جمال فياض
ذات يوم، جاء من القاهرة من يكلمني في أمر أرادني أن اساعده فيه، ملحّاً مصرّاً راجياً أن أحاول ولو بقدر الإمكان. قال: “أريدك أن تساعدني في الحصول على عقد حفل غنائي للسيدة فيروز في القاهرة. ولا حدود لهذا الطلب، إذهب وفاوض ووافق على كل ما تريده السيدة مهما كان صعباً أو تراه مستحيلاً”. نظرت لمحدّثي وقلت: “ما هذا الكلام؟ أتمازحني؟ أم تراك تنفعل لتثبت لي أهمية أن تحقق مطلبك؟”. فقال: “بل أنا جدّي جداً، إتصل وهات لي ما يطلبونه، وأنا موافق سلفاً”. قلت: “هذا أمر مبالغ فيه قليلاً”. قال: “إسمع يا صديقي، خذ معك ورقة بيضاء وقل لهم إملأوا الورقة بشروطكم، وأنا موافق على كل الشروط، بل قل لهم أن الشيك على بياض. لتقل لي السيدة فيروز أو من يمثلها الرقم الذي يرونه مناسباً، وأنا موافق فوراً”. بإختصار شديد؟ كان صديقي متحمّساً لدرجة الإستماتة لتحقيق هذه الأمنية. السيدة فيروز في مصر، بعد غيبة طويلة؟ أمر مثير للحماس والفضول طبعاً. فوراً إتصلت وتكلمت مع المحامي فوزي مطران، وهو المعني بكل أمور السيدة الكبيرة، قانونياً وفنّياً. وحدّدنا موعداً، وذهبت إليه في مكتبه، وقد حددنا موعداً مسائياً، لنتمكّن من التحاور بهدوء، وبدون مقاطعة أحد. سلام وكلام، وبادرته مباشرة قائلاً :”معي ورقة بيضاء، إملأوا ما تريدونه من شروط وبنود وأرقام وتفاصيل، وهاتوها لأعيدها لكم موقّعة من أصحاب الشأن فوراً. جلسنا لساعتين متواصلتين وأكثر. سمعت الكثير من العروض التي تلقتها السيدة الكبيرة، ورفضتها لأسباب مختلفة. كلها مقابل مبالغ خيالية. لكن المبدأ الذي تسير عليه السيدة فيروز في تعاملها، لن تحيد عنه مهما كانت الإغراءات المادية. قلت له المطلوب حفل للسيدة فيروز،مهما كان الثمن، وبالمكان الذي تحددونه، والسعر الذي تطلبونه، والشروط التي تضعونها. ثم قلت له، أعرف أن السيدة فيروز طلبت مليون دولار لحفل مهرجان قرطاج، وأن المهرجان إعتذر لعدم إمكانية تأمين مثل هذا المبلغ. ضحك متفاجئاً وقال ؟ من قال هذا؟ أبداً نحن لم نطلب لا مليون ولا نصف مليون، نحن لم نتفق أصلاً على مثل هذا الأمر، وبالتالي لم نتحدث بالأجر. ثم أردف قائلاً –وهنا المفاجأة- عموماً هذا المبلغ ليس أبداً ما نطلبه، نحن نطلب عادة أقلّ من هذا بكثير! لكن البعض يبالغ للإيحاء أن مشكلتهم مع فيروز الأجر الكبير الذي تطلبه. وتحدّثنا طويلاً وبأمور كثيرة، وروى لي أخباراً وأحداثاً تذهل وتثير الفضول. وقد أنشر يوماً ما رواه لي، فهي ليست أسراراً سلبية، لكنها تستحق النشر في الوقت المناسب. ومن خلال حديثه وطريقته بالكلام، شعرت أن الأمر إنتهى، وأني سأعود غداً لإستلام العقد وأوقّعه فوراً. فقط، هو طلب مني مهلة ثلاثة أيام للتشاور والإجابة. وبعد ثلاثة أيام، توقعت إتصالاً من المحامي –الذي أشعرني أننا أصبحنا أصدقاء- فلم يفعل. إنتظرت يوماً آخر، بلا نتيجة. وفي اليوم الخامس إتصلت أنا. فلم يجب المحامي على إتصالي. قلت، ربما هو في اجتماع أو مشغول بأمر ما. مرّ أسبوع، ثم عشرة أيام، ثم أكثر وأنا أتصل بأوقات مختلفة، أرسل الرسائل النصّية، ولا جواب! بعدها سمعت أن الفنان وليد عوني وهو مصمم إستعراضات لبناني يقيم في القاهرة، سبق أن إتصل بالمحامي فوزي مطران بتكليف من وزير الثقافة المصري فاروق حسني في عهد الرئيس حسني مبارك، وحصل معه الأمر عينه. موافقة، وتواصل، ثم قطيعة بلا مبرّر، أو تبرير. إنتهى الأمر عند هذا الحدّ، وفوزي مطران لا يجيب ولا حسّ ولا خبر. والخلاصة والإستنتاج، أن المحامي الشاب الذي ورث عن أبيه وكالته كمحامٍ عن السيدة فيروز، يعرض الأمر على السيدة فيروز، فتجيبه إنسى الموضوع، ولا تتحدّث في الأمر. فينهي التواصل بالقطيعة المباغتة هذه. هذا ما حصل مع الفنان وليد عوني. وهو ما حصل معي أيضاً… أما لمَ أروي كل هذا؟ فتابعني عزيزي الى الكلام الآتي..
فيروز وسوزان مبارك، ومفيد فوزي!
في حفلها الكبير الذي أحيته السيدة فيروز عند سفح الهرم وتحت ظلّ “ابو الهول” الفرعوني الشهير عام 1989، غنّت فيروز لمصر وشعبها ونيلها، ولسيد درويش ولـ “شط اسكندريه” … وحققت في حينه نجاحاً غير عادي، لكنه مألوف لسيدة كبيرة بحجم فيروز الفني الهائل. بعدها طلب أحد المسؤولين المصريين من السيدة أن تزور السيدة سوزان مبارك في قصر الرئاسة، للسلام عليها. البديهي كان أن توافق فنانة عربية كبيرة على فكرة زيارة سيدة مصر الأولى، لأخذ صورة تذكارية معها، وما يتبعها من تكريم خاص. لكن السيدة فيروز، رفضت بإصرار شديد! هي لا تزور أحداً، ولا تجامل سيدة ولا رئيس. هي تغني للناس، للشعوب والأرض. تقوم بما جاءت له، ثم تنتهي الحكاية. عادت فيروز الى بيروت، وإنتهت المهمّة بالنسبة لها. لكن في مصر، لم تكن هذه هي كل الحكاية. فقد شنّت بعض الصحافة المصرية حملة عليها بشكل مباشر، وغير مباشر. ومن سوء حظّه، كتب مفيد فوزي الصحفي المعروف، في الصحافة فقال: “أنا فيروزي الهوى ولست كلثومياً”. و”يا وقعه سوده”، لقد جاءت الضحية المناسبة في الوقت المناسب. وشنّت الصحافة المصرية حملة تخوين عارمة على فوزي، وكادوا أن يهدروا دمه، بتهمة الخيانة العظمى. لكن مصادر فيروز، قالت منذ ذاك الحين، أنها حلفت بألا تعود الى مصر ولا بمليار دولار. فلا هي تحبّ التزلّف لرئيس ولا لزوجة رئيس، ولا هي ترغب بالعودة الى حيث لن تجد الترحيب الرسمي الكافي، لأن العودة يعني مناسبة للإنتقام بطريقة صامتة. والخلافات مع السيدات الأوّلات، لا يمكن أن تمرّ بلا ثأر عن طريق رعاع القوم والصحافة الصفراء. لذا، أعتقِد أن فيروز لم تعد لتفكّر بالعودة الى مصر –على الأقلّ في عهد الرئيس مبارك والسيدة حرمه- بل هي ما فكرت يوماً، ولا عاد في العمر أكثر مما مضى لتفكّر.