في يوم التحرير .. ماذا قال إميل لحود..وهو أحد صنّاعه؟
كتب جمال فيّاض
اليوم، 25 أيار 2023 ، الساعة الثانية والنصف بعد الظهرـ أرسلت لرئيس الجمهورية السابق أميل لحود رسالة معايدة لمناسبة ذكرى التحرير قلت فيها :
فخامة الرئيس،
اليوم هو عيدك.. أنت رجل هذا اليوم، بإخلاصك وتضحياتك وشهامتك، هذا اليوم هو يومك، ويوم الرجال الذين سيذكرهم التاريخ بأحرف من ذهب وشرف وتضحية ووفاء… حماك الله دائماً.
وما هي دقائق حتى تلقيت منه إتصالاً هاتفياً يردّ على المعايدة، بأحلى منها وأجمل منها. ويقول لي نحن التقينا وإياك على الضمير. وأنا ما فعلت إلا واجبي. وعندما يقوم المسؤول بواجبه كما يجب، لا يستحق الشكر والتهنئة، لأنه قام بواجبه فقط. لكننا للأسف، نحن في دولة لا يقوم المسؤولون دائماً بواجباتهم كما يجب. وإذا استمرّينا بهذا الشكل، للأسف لن تقوم لنا قائمة. ولن يبقى أولادنا هنا. يجب ولا بد أن يأتي يوم، نصبح فيه دولة يكون فيها مسؤولين شرفاء بلا فساد. وطال الحديث عن الأوضاع وما آلت إليه البلاد، وتحدثنا عن الإعلام كيف بات يلقي التهم جزافاً، وأن بعض البسطاء يصدقوا لأنهم تعودوا أن الإعلام صادق وحرّ…
ثم أردف قائلاً، سأحكي لك عن أمر لم أذكره من قبل، ولا يذكره الإعلام حتى لو قلته. يوم السبت في 12 شباط 2005 قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري رحمه الله بيومين فقط، طلب الأمير عبد العزيز بن فهد موعداً ،فحددت له الموعد والتقيته في فندق فاريا باعتبار أن الموعد لم يكن رسمياً ،وجاء ومعه شاب لطيف عرّفني عليه الأمير وأنا لم أكن أعرفه، وعندما قال لي إنه سعد رفيق الحريري، قلت له أهلا بك حبيي وقمت وقبلته. الهدف من الزيارة كان أن يوجه لي الأمير السعودي الشاب دعوة للعشاء. وقلت له يسعدني وبكل سرور، لكن أرجو أن تكون دعوة للغداء لأني أصحو باكراً، وأن تقبلوا مني أنا الدعوة. فقال بكل سرور، ومن تريد أن يكون معنا؟ قلت : نتواصل يوم الإثنين وأكون قد نظرت الى جدول مواعيدي ونتفق، وأشرت الى العميد مصطفى (حمدان) أن يذكّرني الإثنين لتحديد اليوم المناسب. أروي لك هذا الأمر فقط لأخبرك أننا في هذا التاريخ ، أي قبل الجريمة بيومين كنا على وفاق تام، وعلى صداقة ومحبة. ولم يكن بيني وبين الرئيس الحريري أي خلاف. فقد كان للتو وافق ووقّع على مشروع ضمان الشيخوخة، ووافق ووقّع على الكثير من الأمور التي اقترحتها وسعيت إليها وأتفقنا عليها. والعلاقة كانت جداً ممتازة. وبعد يومين حصلت جريمة الإغتيال، وعندما سألني بعض المسؤولين الغربيين لاحقاً، من تظن له مصلحة في هذا الإغتيال ؟ قلت فوراً ودون تردد، العدو الإسرائيلي. هو صاحب المصلحة في اغتيال لبنان، وتخريبه وتحويله الى ساحة خلافات وفوضى وانقسام. أحكي لك هذه القصة البسيطة، لأؤكّد أن العلاقة مع الرئيس الحريري رحمه الله كانت ممتازة، ولم يكن بيننا أي خلاف أو ما يعكّر العلاقة، وظلّ الإعلام يردّد أننا كنا على خلاف. عموماً، في هذا اليوم، يوم التحرير الذي نتذكره بكل فخر، ليس عندي إلا أن أقول، أنا ما قمت إلا بواجبي الوطني، وهذا الواجب هو الذي على المسؤول أن يقوم به تجاه الوطن. ثم أضاف، عندما كنت ولداً في السابعة من عمري، تلقى والدي ترقية وهو كان ضابطاً نقيباً، وتمّت ترقيته الى رتبة أعلى. وكنت في السابعة من عمري، إتصلت به لأقول له مبروك بابا، فأجابني، تهنئني على ماذا؟ أنا كلما ترقّيت في عملي، كلما زادت المسؤوليات وليس الرتبة. هكذا كان آباؤنا يفكرون، بينما المسؤول اليوم ليس كذلك.
مكالمة هاتفية طالت، والحديث مع الرئيس الحكيم لا يخلو من المتعة وشغف المعرفة. وقد لا يكون أجمع على رئاسته سياسيو لبنان، لكنه بلا شك ترك السلطة، بلا أي مَعلَم من معالِم الفساد، ناهيك عن النزاهة التي تحلّى بها منذ كان ضابطاً، فقائداً للجيش اللبناني، فرئيساً للجمهورية … وهذا يكفي لتكون سيرته المشرفة، من نوادر الذين مرّوا على السلطة في لبنان.