كتب جمال فياض: عاصي الحلاني، وشهادة حب ونجاح في مصر
كتب جمال فيّاض
في كل مكان وفي كل زمان، تحتاج الحياة الى جرعة تفاؤل كبيرة، لنستمر ونحيا. من الذي سيقدّم لنا هذه الجرعة؟ من الذي سيصنع بهجة الحياة وساعة الفرحة فيها؟ لقد منح الله بعض الناس صفة المبهج، ومهمة الإسعاد. منح الله هؤلاء الناس بلمسة مباركة كل صفات الحب والمحبة والطيبة، وجعل في حضورهم أينما حضروا، ضحكة وابتسامة وعطراً نراه ونلمسه كما نتنشّقه. هو عاصي الحلاني، نجم لبنان الشاب، واحد من هؤلاء الذين سخّرتهم السماء لصناعة الأبيض في الليالي الحالكة السواد، وصناعة الفرح في عزّ الحزن والألم. هل في هذا مبالغة؟ من شاهد وسمع عاصي على مسارح الغناء، يعرف جيداً كيف تكون هذه الصفات له لا لغيره من الناس.
منذ أيام وقف عاصي الحلاني، صوت الحياة والبهجة والسعادة على مسرحين كبيرين من مسارح مصر العظيمة. أولهما، مسرح “دار الأوبرا المصرية” في القاهرة. واستقطب الجمهور المصري المتنوّع الأذواق الى حفلة تكاد تتفوّق على سابقاتها. نعم، سابقاتها. فقد وقف عاصي على هذا المسرح مرات ومرّات، وفي كل مرّة كان يأتي بجديد وجديد. وكان الجمهور يسهر ويغنّي معه ويعقد الوعد على لقاء قادم. وفي المواعيد التالية، كان عاصي يفاجيء ويبهر. جمهور مصر يحب الفارس. يحب الرجولة، كما الرومانسية. يحب الطرب، كما الإحساس. يحب الحركة والوقفة المسرحية المليئة بالحياة والنباهة. كل هذه الصفات، كانت تجتمع في عاصي الحلاني. المطرب الذي جمع ألوان الغناء من أطراف مجدها. جمع الفولكلور، بالطرب، بالرومانسية، بالرجولة والفروسية. وهذه المرّة جدّد شباب أغنيته، بصوت “ولي عهده” الوليد عاصي الحلاني. يأتي الوليد فخوراً بأغنيته المستمدّة من مدرسة أبيه، ومعهده الغنائي الجميل، وفخوراً بأنه على قدر المهمة الصعبة.
على مسرح دار الأوبرا في القاهرة، كما في مسرح الأوبرا الإسكندرانية. هناك في عروس البحر المتوسط الأفريقي، حيث الجمهور ذات زمن بعيد، أخذ وقته حتى اعترف بصوت عبد الحليم حافظ، وفحصه طويلاً حتى منحه شهادة النجاح، هناك وقف عاصي الحلاني أمام الجمهور الصعب، وأبهرهم بأغانيه، بصوته، بألحانه، اللبنانية والتراثية والمصرية. وأخذ شهادة جديدة بعد شهادة وشهادة وشهادة، نالها مرّة أخرى، ومع مرتبة الشرف. كيف لا، وهو أمسك مشاعرهم بصوته القوي، قبل أن يمسكهم بالألحان الجميلة. وأهداهم بعضاً منه عندما قدّم لهم صوت روحه وشبابه، إبنه الوليد الذي نال ما ناله من الحب والإعجاب. كيف لا، وفي كلّ مرة يقف عاصي وقفة التحدّي الشهيرة التي يقفها في أغلب حفلاته. عندما يغنّي غناءً حرّاً بدون “مايكروفون” ولا مساعدة كهربائية وتقنية. فقط ليقول لهم، هنا الإمتحان، فيكرّموه بالتصفيق الحار، في حين أنه ليس من السهل أن تنتزع منهم تصفيقاً. أهل مصر، في القاهرة والإسكندرية، ليس سهلاً أن تدخل قلوبهم وأذنهم الصعبة. لكن متى دخلت، فزت ونلت. وعاصي الحلاني نال من زمان، نال من مصر وجمهور مصر فوزاً وحبّاً، وإعجاباً وكل ما يتمناه محبّ من حبيب.
فليهنأ الفارس النبيل بهذا الحب الذي يستحقه، وليتابع رفع إسم لبنان بأجمل صورة في كل مكان.