كتب جمال فيّاض : ما معنى نجاح عاصي في قرطاج ؟
كتب جمال فيّاض
عاد الفنان اللبناني الشاب عاصي الحلاني الى تونس بعد عقد من الزمن. ووقف على مسرح قرطاج الشهير. وعلى هذا الركح، كما يسميه التوانسة، جاء إليه جمهور كبير من آلاف مؤلّفة. غنّوا معه أغانيه القديمة والجديدة. وشاركوه فرحته ودبكته وأغانيه وموسيقاه وألحانه وألحان غيره من الذين غنّى أغانيهم. إنفرجت أسارير عاصي بعدما أصابته الرهبة، عندما أعلنت إدارة المهرجان تأجيل موعد الحفل لأسبوع واحد. هو تصوّر أن خللاً حصل في جماهيريته التي يتوقّعها. وتبيّن أن سبب التأجيل هي الزحمة التي تسبّبت بها عودة الحجّاج في المطار التونسي.
المهم، نجح المهرجان، وكما كان متوقّعاً، نال عاصي من الجمهور التونسي علامة عشرة من عشرة. وازدحم المدرّج التاريخي بالحاضرين الذين جلسوا ثم وقفوا ثم غنّوا متراصّين كما الجيش المرصوص. كل هذا، لا غرابة فيه. كل هذا صار وانتهى ولم يكن مفاجئاً. فالجمهور التونسي سمّيع ممتاز. وهذا كلام ليس للمجاملة أبداً. ومن أخذ شهادة نجاحه في تونس، نال ما تمنّى من النجاحات الكبيرة. لكن السؤال هنا، لماذا ينجح عاصي الحلاني، من بين مطربين آخرين من جيله، لم ينجحوا في قرطاج، ولا طلبتهم أصلاً، هذه التظاهرة الكبيرة؟ لماذا عاصي بالذات، في حين استغنى التونسيون عن آخرين غيره، من أبناء جيله، ويغنّون لونه الغنائي؟ هنا السؤال. ليس المقصود الإنتقاص من نجاحات هاني شاكر أو وليد توفيق وراغب علامه، ولا صابر الرباعي أو كاظم الساهر وآخرين نجحوا هنا، من الجيل الذي سبق عاصي بسنوات. لكن هناك عشرات الاسماء اللبنانية والعربية، من جيل عاصي، لم يصلوا الى قرطاج بعد. هنا يطرح السؤال نفسه. عاصي الحلاني وقف أمام جمهور لم يقابله منذ عقد من الزمان، ومع ذلك جاء إليه الذين عرفوه والذين لم يروه من قبل ولا سمعوه، من الشباب الذين كانوا أولاداً وكبروا. جاء إليه جمهور من جيلين وأكثر. يحفظونه ويعرفونه بأغانيه القديمة والحديثة وما بينهما. يعرفونه بالفولكلور اللبناني، ويعرفونه بأغانيه الحديثة. لكنهم أيضاً يعرفونه بسيرته بشخصيته بأخلاقه ولطفه ومحبته. يعرفونه بمصداقيته. يخطيء من يعتقد أن سيرة الفنان الذاتية لا تؤثّر على جمهوره. ويخطيء من يعتقد أن الناس لا تتدخّل بسلوكه الشخصي وطريقته بالتعامل مع الآخرين. عاصي الحلاني، الفارس، ليس فقط وهو يركب حصانه، أو يسابق الريح على صهوة جواد أسود. بل الفارس بكل تفاصيله وتصرفاته. كل هذه التراكمات صنعت منه نجماً محبوباً. وعلى المطربين الشباب أن يصغوا جيداً ويراقبوا جيداً، كيف يغنّي وماذا يغنّي. عاصي الذي لا يخرج عن اللياقات في أختيار كلمات أغانيه. ولا يتجاوز حدود الذوق وهو يمازح جمهوره. ولا يبالغ وهو يراقص إيقاعات أغانيه. ولا يقلّل من شأن الفنانين الواقفين خلفه، ومعه من فرقته الموسيقية. عاصي الحلاني، صار قدوة لأبناء جيله، وهو كسب إحتراماً قبل أن يكسب إعجاباً. وهو عندما وقف لأول مرة منذ سنوات على مسرح “القبّة” في العاصمة التونسية، كان يحفظ للمكان هيبة من وقفوا قبله على هذا المسرح الكبيرأمام الجمهور التونسي الكبير، من أم كلثوم الى عبد الحليم حافظ ووديع الصافي وفيروز وصباح وحتى فهد بلّان. وليس غريباً، أن يعود عاصي الى تونس بعد عشر سنوات، ليجد أن مكانه ما زال محجوزاً في القلوب. هي تونس الوفية، وشعبها العظيم، وهو عاصي الحلاني الذي يحفظ الإحترام مصحوباً بالوفاء لوطن عربي وشعب شقيق، وجمهور يفرض إحترامه على فنان محترم.