اخبار الفنكتب جمال فيَاض

كذابون ….

كتب جمال فياض

كلهم كذّابون، كل مسؤول وصاحب منصب رفيع في لبنان كاذب ومتكاذب، بدرجة مختلفة عن درجة الآخر. وفي كل لحظة يسقط فيها قلم أو صوت أو ريشة أو وتر أو ستارة مسرح، يسارع الجميع إلى وصلة التكاذب التقليدية… كان وكان… وهذه هامة من تاريخ لبنان تسقط… ويعلّق المسؤول على نعش الراحل، قلادة معدنية يسميها وسام تكريم… أو أي شيء من هذه التسميات السخيفة…

منذ أيام مات الكاتب الكبير والقدير وجيه رضوان، الذي، يوم كان يكتب للتلفزيون وللصحافة، لم يكن له مثيل إلا القليل القليل. ويوم استقال وجيه رضوان من الكتابة للتلفزيون، التي لم تدرّ عليه سوى عبارات النقد والإعجاب، سقطت الدراما اللبنانية في غياهب النسيان. فهو وأحمد العشي ومروان العبد تعبوا من اللهاث خلف اللقمة الشريفة، ولما أصابهم اليأس بحثوا في مكان آخر عن الحياة الكريمة، فوجدوها، واستراحوا، وماتت الدراما التلفزيونية. وغير صحيح أن الحرب هي التي اغتالت المسلسل اللبناني، بل إهمال الحكومات وتقتير المنتجين على الكاتب القدير هو الذي قتلها.

لقد عاش وجيه رضوان أواخر أيامه، كما كل العباقرة، في حالة إهمال رسمي كبير. لم يكن بحاجة لمساعدة أحد مادياً، لكنه كان بحاجة لشيء من المعنويات، التي لم تغدق عليه وزارة الإعلام شيئاً منها إلا عندما أسلم الروح. هنا فقط أطل وزير الإعلام ليقول: كنتُ أتمنى لو أن الوزارة استطاعت أن تستفيد من خبرة وجيه رضوان في انتفاضتها الأخيرة… ولم يقل ما الذي منعه كوزير!! فأنا التقيت وجيه رضوان قبل أسابيع قليلة من وفاته في مقهى “الأتوال” في شارع الحمراء في بيروت، وكان بيننا سلام طويل، ولم يكن يبدو عليه ما يمنع صاحب المعالي من “الاستفادة” من خبرة الكاتب والصحفي الكبير، لدعم إذاعة لبنان – في انتفاضتها الأخيرة – بل ذهب القائمون على هذه الانتفاضة إلى أصحاب المواهب المتواضعة، والتي أكل الدهر عليها وشرب، ليعيدوا قيامة الإذاعة من هوّة هم أنفسهم من رموها فيها.

الكاتب والممثل في لبنان لم يعد يستطيع مجرد التفكير بالكتابة أو العمل في هذا الفن الراقي، كما في باقي البلدان العربية، لأن أتفه واحدة من “بنات” الغناء، تحقق في ليلة واحدة، ما لا يحققه الواحد منهم في عمر بأكمله… فلماذا سيطمح الكاتب للكتابة؟

تصوروا يا ناس، الممثل اللبناني ليس عنده ضمان شيخوخة، وإذا مرض يوماً سيبحث عن فاعل خير يتكفل بطبابته. والحكومة اللبنانية، منذ عقدين من الزمن، لم تُقِرّ القانون المهني الذي يضمن تقاعد الممثل، أو على الأقل طبابته في مستشفياتها البائسة. وكل وعود الرؤساء، الأحياء منهم والأموات، ذهبت إلى عالم الكذب والنفاق. وما أشطرهم بتعليق النياشين على النعوش…

للعلم فقط، يوم أقعد المرض الممثل ماجد أفيوني، لم يجد من يتكفل بعلاجه، وأنكرته حكومة لبنان. ولمّا علم الأمير الوليد بن طلال بالأمر، أرسل له شيكاً مصرفياً بمبلغ محترم عبر الأستاذ مرعي عبد الله، رئيس تحرير مجلة “ألوان”… لكن، للأسف، وصل الشيك يوم وفاة ماجد…

وهنا جاء دور الحكومة… فقد علّق معالي الوزير وسام التقدير على نعشه.

وبالطبع، لم يرفس ماجد بقدمه صاحب الوسام، لأن قدمه كانت داخل النعش.

(١٦ آذار – مارس ٢٠٠٨)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى