اخبار الفن

كما لو كانت مسيرة نابليون تحتمل المزيد من الإحباطات

________________________________________

محمود مهدي – ثمانية

يوم الأربعاء الموافق 22 نوفمبر، تلقينا دعوة من «إمبير إنترتينمنت» لحضور أول عرض لفلم «نابليون»، وقرَّر محررنا رياض العاشق للمخرج «ريدلي سكوت» الذهاب هناك قبل عرض الفلم بساعة! واضح أنَّ حماسه كان عالٍ لرؤية المشاهد الحربيةعلى الشاشة الكبيرة في تقنية الآيماكس.

وفي تصريح خطير قال محررنا رياض: «عشت تجربة الآيماكس الحقيقية صوت وصورة أكثر من فلم أوبنهايمر.»

أغلب فريق التحرير شاهد الفلم، منهم من غرَّد عن دقَّة التاريخ ومشاكله البسيطة، ومنهم من شاركنا سرًّا في مجلس النشرة إنَّ نابليون طول الفلم ذكَّرهم بشخصيَّة «بو».

محمود مهدي
كما لو كانت مسيرة نابليون تحتمل المزيد من الإحباطات
لقطة من فلم «نابليون»
يقترب العام السينمائي من خط النهاية، وسلَّمت أغلب الأفلام التي كنا نترقبها في بداية العام ورقة الامتحان بعد أن اجتهدت في حل الأسئلة التي طرحت عليها أو فرضتها على نفسها. ومن هؤلاء الممتحنين كان فلم «نابليون» (Napoleon) الذي جمع في رقم جلوسه عددًا من البيانات الملفتة. المخرج: دائم العطاء والمخضرم صاحب الروح الشابة ريدلي سكوت. البطل: فريد الموهبة والأسلوب خواكين فينيكس. الموضوع: نابليون بونابارت القائد العسكري والإمبراطور الفرنسي الذي يقترن اسمه بالمناورات الذكية والإحباطات الحمقاء في الوقت نفسه. النتيجة: ناجح.. ولكن لن يكون في لوحة شرف المتفوقين.

أول ما أثار فضولي منذ الإعلان عن الفلم والتأكد من فريق العمل هو سؤال: «نابليون ماشي، بس من أنهي ناحية»؟! هل سنستعرض قصة حياته منذ المولد حتى الوفاة مرورًا بالنشأة والصعود الملفت والسقوط المدوي؟ هل سنركز أكثر على المسيرة العسكرية والانتصارات والانكسارات؟ هل فلمنا سيكون رومنسيًا من بطولة نابليون وجوزيفين واضعًا كل الأحداث التاريخية البارزة في الخلفية؟ هل فلمنا سيكون استعراضًا فنيًا محدودًا على مستوى المحطات ومربكًا على مستوى الدراما؟ الاحتمال الأخير دعمه في ذهني فقط وجود فينيكس في دور البطولة.

كنت مستعدًا لأيٍّ من تلك الاحتمالات إضافة إلى احتمالات أخرى، ولكن لم أتوقع أن يطمح الفلم لأن يكون كل هذا وفي نصف الزمن اللازم لتغطية كل تلك الزوايا. ما عدا الشكل الفني، ففي واقع الأمر فلمنا أبسط من هذا بكثير.

نقطة الانطلاق هي الثورة الفرنسية وتدشين عصر الإرهاب في مشهد مبهر يجسِّد إعدام ماري أنطوانيت تحت عين الضابط الطموح نابليون بونابارت. نتابع بعد ذلك معاركه العسكرية والسياسية التي دفعت به لأحد مقاعد الصدارة كخطوة هامة قبل الهيمنة الكاملة على عرش فرنسا الذي رضخ بشكل أسهل بكثير من جوزيفين عشيقة نابليون ثم زوجته ثم عشيقته (ده حقيقي، أنا ماسرحتش ولا حاجة!) التي داومت على درب التمرد والتحدي طوال رحلتها مع بطل قصتنا.

إذن لدينا الخط السياسي العسكري والخط الرومانسي، وتساوي الخطين في درجة الاهتمام من حيث التناول هو أكثر ما أربكني في الفلم بسبب عدم قدرة أيٍّ منهما على رسم صورة مفهومة لبونابارت. بل أكاد أجزم أن فهمي للشخصية قبل مشاهدة الفلم كان أوضح بكثير مما انتهيت عليه بعد مشاهدة الفلم وذلك على كل الأصعدة.
لطالما كانت صورة نابليون كقائد عسكري في ذهني أنه داهية استثنائية بالغ في طموحه وعاكسته الظروف. ما جرى تقديمه في الفلم لا يدعم النصف الإيجابي ولا النصف السلبي في تلك الصورة. هو مجرد رجل صاحب قرارات وُفِّق في بعضها ولم يوفَّق في البعض الآخر. حتى شخصيته القيادية وقدرته على التأثير على جنوده قُدمت بشكل مشوش لم أستطع أن أترجمه. فلا هو زعيم ملهم قادر على الحشد ولا هو مفتقد للوهج بشكل كامل.

أما كرجل عاشق يُذكر اسمه واسم حبيبته بين أساطير العشق والغرام فلم أتمكن من التأكد على ما إذا كان هناك حب بين الشخصيتين من الأساس. كل ما تحيز له سيناريو الفلم بشكل واضح هو تأثير والدته عليه عندما كانت الأحداث تأتي على ذكرها، وهو ما توقف فجأة في نقطةٍ ما داخل الأحداث، حيث اختفت الشخصية مع المختفين.

ببساطة فلمنا يحتوي على ثقب أسود يبتلع الشخصيات، نقفز في الزمن بضعة أعوام لنجد أن من كانوا معنا في التسلسل السابق قد تبخروا، لم يُقتلوا أو يموتوا أو يسجنوا، فقط تبخروا، بما فيهم والدة نابليون نفسها التي تأتي على رأس قائمة ليست بالقصيرة وتضم أصدقاء وخصومًا وأفراد عائلة وزوجات وأبناء. لعل هذا هو الدليل الأبرز على أن ما شاهدناه على شاشات السينما ما هو الا ملخص تنفيذي للفلم الحقيقي الذي ننتظر عرضه على منصة أبل في واقع سينمائي عبثي لا أستطيع أن أألفه!

فقد خرجت الأنباء الرسمية المؤكدة على أنَّ لفلمنا نسختين. نسخة العرض السينمائي التي ستكون أيضًا متاحة للمشاهدة المنزلية على منصة أبل وزمنها يقترب من ثلاث ساعات. ونسخة أخرى زمنها يتخطى الأربع ساعات تُربط فيه الأحداث وتُفهم فيه أبعاد الشخصية وتموت فيه الشخصيات أو تحيا (المهم ماتختفيش)! ما هو المُنتظر مننا كمشاهدين أمام هذا الواقع؟ أن نشعر بالرضا لأن الفلم قُدِّم لنا في عبوات مناسبة للجميع؟ حجم مناسب للعروض السينمائية ومصاحبة الوجبات السريعة، وحجم آخر عائلي يصلح لأن يكون فلم؟

لا أصل بانتقاداتي لأن أسلب من «نابليون» صفة الفلم، ولكن ما شاهدت بكل تأكيد تجربة منقوصة تنزع منه صفة الجودة المطلقة، تلك الجودة المقترنة بسيناريو متماسك يتخطى في نتائجه مرحلة المراجعة الخفيفة لمادة التاريخ لطلاب الصفوف الإعدادية، هو بكل تأكيد أمتع من مطالعة كتاب الوزارة، أما جودة المكونات فحدِّث ولا حرج. صورة فلم «نابليون» خلابة على الرغم من اختيار تشكيلة ألوان باردة بشكل مدرج يقترب أحيانًا من الأبيض والأسود.

تجربة الفلم السمعية المصاحبة للمشاهد الحربية تحديدًا أثارت حماسي وربطتني عاطفيًا بتلك التسلسلات، وهو إنجاز ملفت إذا وضعنا في الاعتبار أن سرد الأحداث نفسه بذل مجهودًا كبيرًا لطردي خارج عالمه.
تنفيذ المشاهد الحربية التي كنت أتمنى أن تطول يشكل مثالًا سأعود له كثيرًا للتأكيد على أن المؤثرات الرقمية ليست وصمة عار، ودمجها مع الإدارة الخبيرة للمجاميع يمكن أن ينتج عنه ما يتفوق على المؤثرات العملية النقية. أماكن الأحداث جاءت متنوعة وخالية من الاستسهال وجاذبة جدًا للاهتمام والتأمل في التفاصيل والتصميمات. لا أعلم إذا كان هذا لتميزها أم لغياب أي شيء آخر يدعو للتأمل؛ فقد كنت أراقب مشاهد لبطلينا خواكين فينيكس وفينيسا كيربي وأجد عيني تنصرف عن مراقبة تعبيراتهما لتركز على ملابسهما فأشعر بالإعجاب وأشعر كذلك بالشفقة لإحساسي بأن الأداء يصارع القيود.

بعد مشاهدة فلمي «أوبنهايمر» و«Killers of the Flower Moon» كان رأيي أن طريق فينيكس لأوسكاره الثانية مفروش بالورود. فكيليان ميرفي كان رائعًا بكل تأكيد، ولكن نطاق الانفعالات في سيناريو كريستوفر نولان كان محدودًا؛ مما حرمه من لحظات التفجر التي تترسخ في الأذهان. أما ديكابريو فدوره كان غامرًا بمثل تلك اللحظات، ولكن شخصيته نفسها كانت باهتة بشدة. لذلك لم يكن على فلم «نابليون» سوى أن يقدم فلم سيرة ذاتية عاديًا على شاكلة أفلام «The Iron Lady» أو «Ray» ليضمن التفوق لبطله.

ولكن، إذا كان الحكم مرتكزًا على هذا النسخة من الفلم فأخشى أن الترشيح هو أقصى ما يجب على خواكين فينيكس أن ينتظره؛ فقيود الفجوات الدرامية والتنقلات غير المريحة بين ميدان المعركة وميدان الحب أخرجت شخصية بلا ملامح تسمح بتذوق تعقيدات التجسيد التي أحسب أن فينيكس اجتهد في تقديمها. والأمر لا يختلف كثيرًا بالنسبة لكيربي التي جاءت مساحة الدور ونطاق التحديات أقل كثيرًا من إمكانياتها.

كنت أتمنى أن يتجرأ صاحب القرار في عرض هذا الفلم ويكتفي بنسخة واحدة تحمل مباركة مخرجه وتضرب عرض الحائط بالمقاييس المعاصرة لزمن العرض السينمائي التي تفرض علينا التقلص المستمر حتى أصبحنا على بُعد شهور من طغيان أفلام «التك توك». أما الآن، وقد تعرضت لتلك النسخة المختصرة، فلا أظن حتى أني أشعر بالفضول لمشاهدة النسخة الكاملة للفلم .. آسف يا نابليون، هي فرصة واحدة «زيك زي إخواتك».

وتقييمي للفيلم 6.5 / 10

( المصدر: محمود مهدي – النشرة السينمائية – ثمانية)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى