كتب جمال فيَاض

لهذه الأغنية حكاية قديمة … بين فريد الأطرش وإيليا بيضا

كتب جمال فياض:

كل ما غنّاه الموسيقار الراحل فريد الأطرش في مشواره الكبير، كان من ألحانه هو، إلا أغنيتين فقط. الأولى أغنية لبنانية، هي الأغنية التي إنطلق بها كمطرب وكانت طقطوقة “يا ريتني طير لطير حواليك” من كلمات وألحان اللبناني يحي اللبابيدي. وأغنية أخرى هي “كرهت حبّك من كتر صدّك”، كانت من كلمات عبد العزيز سلّام وألحان مدحت عاصم وهو مكتشف صوت فريد، وداعمه الأول في بدايته. ومدحت عاصم كان مديراً تنفيذياً للإذاعة المصرية في تلك الحقبة. لكن ما لا يعرفه أغلب الجمهور أن أغنية “يا ريتني طير” لم تكن لفريد الأطرش. بل هو غناها عام 1937 بعدما سبق أن غناها قبله الفنان إيليا بيضا عام 1933 في الإذاعة اللبنانية (كان إسمها في حينه إذاعة الشرق الأدنى). وكان إيليا بيضا مطرباً شهيراً في لبنان ومصر، وصاحب الشركة الشهيرة “بيضافون” لإنتاج الأسطوانات. وأغلب تسجيلات الأغاني القديمة للراحل محمد عبد الوهاب في عزّ نجاحه، وغيره من نجوم الغناء في حينه، كانت تبدأ بعبارة “إسطوانات بيضافون الأستاذ محمد عبد الوهاب”. أو “بيضافون كومباني الأستاذ محمد عبد الوهاب” أو بذكر إسم المطرب أو المطربة صاحبة الأغنية المسجّلة. وفي تسجيل أغنية “يا ريتني طير” بصوت إيليا بيضا، كان اللحن مختلفاً في بعض المقاطع. وهو ما يؤكّد أن فريد الأطرش وضع لمساته اللحنية بوضوح على الأغنية، مما أكسبها بعض الخصوصية “الأطرشية”. لكن الأهم هو كلام الأغنية، الذي يقول مطلعه “يا ريتني طير لطير حواليك، مطرح ما تروح عيوني عليك، ما بخللي غيري يقرّب ليك، لكن يا ريت عمرا ما كانت تعمّر بيت..”. وفي الكوبليهات الأخرى بتسجيل إيليا بيضا، يرد كلاماً غير صالح أبداً لأغنية. وهو بالتأكيد السبب الذي أدى لمنع بثها عبر الإذاعات العربية بصوت بيضا. وعندما أعاد فريد تسجيلها بصوته، حذف هذه المقاطع التي كانت سبب منعها، وسجلها بشكلها الجديد لينطلق بها كمطرب شاب جديد. أما المقاطع التي حذفها فريد، كانت تقول :”يا ريتني سنيوره عندك، لما تنيمني بنام حدك، وبنيّم خدّي على خدّك”. وفي مقطع آخر يقول: “يا ريتني علكه تعلكني، وتشد عليي وتفركني، وما بين سنانك تزركني”. وفي مكان آخر يقول :”يا ريتني فرشه لضمّك، وبحنّ عليك متل أمّك، وما بخللي مطرح لشمّك”. ثم يختم قائلاً :”يا ريتني نحله تِسلـَم ليك، لغطّ ع تمّك واستحليك، وبمصمص ريقك على مهلي… يا ريت”. كل هذه المقاطع التي إعتبرها رقيب الإذاعة في لبنان غير صالحة للبثّ، تسببت بمنع الأغنية. وقام فريد بإعادة إحياء الأغنية بحذف وتهذيب الكلام، وتليين وتنويع اللحن بمزيد من النغمات، فصارت الأغنية من جديد صالحة للبث، بل هي حققت نجاحاً ما زال يدوي لدى الجمهور حتى يومنا هذا. أي بعد أكثر من ثمانين سنة. وما زال فريد الأطرش نجماً تاريخياً، وتراثه يحفظه جيل بعد جيل عن جيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى