اخبار الفنكتب جمال فيَاض

ليتس مييت ذا شيف …Let’s meet the chef

كتب جمال فياض

أقلّب في المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، فيظهر أمامي فيديو لطَبّاخ شاطر جداً، ووسيم جداً، يحضّر أطباقاً لا أشهى ولا أجمل. بحِرَفية غير عادية، وفوق المنتظر، يحضّر طبقاً صعباً، يطبخه ويهندسه ويقدّمه أمام الكاميرا، فيبهر ويسحر… ما هذا؟ أهو سحر؟ أم شطارة فقط، ما رأيناها من قبل؟ حتى طريقة التصوير فيها ذكاء وحِرَفية، تجعلك تفكّر: من أين يأتي كل هذا الكمال وهذا الجمال؟ من هو هذا الشاب الذي لا يتكلم ولا يشرح، فقط يُخبرنا ما سيفعل بعبارته الشهيرة: “ليتس ميك ملوخية”، أو “ليتس ميك صيادية”، أو طبق فاكهة مزيّن… وينطلق، بكل مهارة، بل بما هو أكثر من المهارة، فيصنع ويصمّم، ثم يقدّم لنا مشهداً خيالياً…

أتابعه بشغف، وأعلّق أحياناً على ما يقدّم بعبارات الثناء… لم أفكّر يوماً أن أسأله: من تكون؟ وهو يحمل اسم عائلتي: حسين فياض. لأول مرة، لم يحرّضني الفضول على السؤال، إلى أن سألني أصدقاء: هل تعرفه؟ هل هو قريبك؟
هنا، أتذكّر… عجيب أمري! لماذا لم أسأله يوماً؟ من تكون أيها الشاب؟ ومن أين أنت؟ وهل أنت قريبي وأنا لا أعرفك؟
وبالفعل، سألت وفوجئت: هو قريبي وابن بلدتي، وبيننا قرابة، ليست بعيدة!

حسناً، لن تنتهي الحكاية هنا، سأغزو دياره وأعرفه أكثر… ولمَ لا؟ ألا يستحق؟ هو فنان ويستحق أن أذهب إليه.
يقيم في الجنوب، في بلدة أقرب إلى فلسطين منها إلى بيروت.
موعد، فلقاء… أنا الذي ما ذهبت لأتعرّف إلى أحد، ذهبت بحبّ كبير لهذا الساحر الشاب، حسين فياض…

وهناك، التقيته ومعه أبوه وصهره، في مجمّع سياحي رائع، مُبهر وجميل، مطعم ومسبح ومساحات فيها كل الأناقة والشياكة، اسمه “عرش الملوك”…

يقابلك الشيف حسين، ابن الثمانية والعشرين ربيعاً، شاب وسيم أنيق، ضحكته ساحرة وبسيطة، شخصية ودودة جداً، فيها الكثير من البراءة والطيبة…

دعنا نتعرّف إليك أيها الشاب الذي دوّختنا!
فيُجيب: أنا مقيم في فرنسا، ودرست فن الطبخ في معهد “كوردون بلو” الفرنسي.
(أعرف هذا المعهد الشهير، الذي يُدرّس فيه كبار الاختصاصيين في فن الطبخ العالمي، وتخرّجت منه أكبر أسماء المطبخ العالمي).

– وماذا تفعل الآن في لبنان؟
– جئت للعطلة الصيفية، لكن الأهل يُصرّون على البقاء، والوالد يقول: كفاك غربة، وأريدك هنا بقربي.
يقاطعنا الأب ويقول: ما عندي غيره هو وأخته، وأنا أريد أن أتصبّح به كل يوم، وكفاه غربة، لا أريده بعيداً عن لبنان.
– وبالنسبة للعمل؟
– فأنا، الحمد لله، عندي أعمالي، ومرتاح. وهو تلقّى عروضاً مهمة جداً، ويدرس الوضع ليختار…
وهنا يعقّب الصهر، وهو شخصية واعية وفاهمة، لبناني مولود في الإمارات العربية المتحدة، ويعمل في شركة كبيرة، ورئيس فروعها في عدد من الدول العربية، ويقول: جئته بعروض كبيرة، وما زلنا ندرسها، ومعنا الوقت الكافي… حتى الإعلانات التي عُرضت عليه، رفضها لأنها لا تُلبّي الطموحات، والأهداف التي نخطط لها.

– لكن يا حسين، ألم تعمل في فرنسا؟
– طبعاً… عملت في أفخم الفنادق والمطاعم، وحالياً ما زالوا يتواصلون معي للعودة، لكن يبدو أني لن أعود وسأبقى هنا، بجانب العائلة… وأنا أخطّط لمشروع أحبه، وكل شيء في أوانه…

– حدّثني قليلاً عمّا تقدّمه على التواصل الاجتماعي:
– من يُصوّر لك؟ من يساعدك؟ من يُخطّط لك هذا المحتوى؟
– يضحك ويرمي جواباً مثل قنبلة: أنا وحدي أقوم بكل هذا العمل. أنا أشتري الأدوات، وأنا أطبخ وأنفّذ الطبخة لوحدي، وأنا أُصوّر، وأنا أقوم بالمونتاج، وأنا أنشر… ولا أحد يتدخّل بأي تفصيل!
– معقول؟ وحدك؟
– نعم، وحدي… لا أحب أن يتدخّل أحد بعملي، وأكتفي بنفسي لنفسي. حتى تنظيف أدوات المطبخ “أجليها” بنفسي
– ألاحظ أنك تُراعي النظافة بشكل حاد جداً في كل ما تقدّمه…
– هذه أولوية عندي، النظافة أولاً وأخيراً… أنا بطبعي دقيق جداً في كل ما أعمل، ولا أتنازل عن المثالية في أي عمل أقوم به.
– ولا تستعمل “الكفوف”، وتعمل بيديك؟
– طبعاً. أغسل يديّ باستمرار، ولا أثق بنظافة الكفوف البلاستيكية، لأنها ليست أنظف من اليد المغسولة. ثم إن الشيف المحترف لا يعمل بمثل هذه الطريقة.

– هنا يتدخّل الأب في الحديث، فيقول: منذ كان طفلاً، كان نظيفاً جداً، ومثالياً جداً، ومرتّباً بشكل غير عادي، ومختلفاً عن كل الأولاد. إذا أوكلت إليه عملاً، يُنفّذه باحتراف وكمال، ويدقّق كثيراً بألا يكون ما أنجزه فيه أيّ ثغرة… وما زال حتى الآن، مثالياً في كل شيء يقوم به.
– لكنه وحيدك؟ وما زال أعزباً…
– يضحك حسين ويقول: بكّير على هالموضوع…
– يبدو أن المعجبات حولك كثيرات…
فيبتسم خجلاً، ولا تبدو عليه ملامح “وقاحة” بعض شباب هذه الأيام…

حسين فياض، شاب “ابن بيت”، أكاد أجده مثالياً في سلوكه وشخصيّته… وكأنه وصل إلى هذا العالم من زمن آخر…

أتوقّع له الكثير من النجاح، فهو موهبة نادرة، سيكون لها شأنها…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى