ليلة المفاجآت: هبة طوجي على خشبة الأولمبيا
أمل الزيدي ـ خاص أضواء المدينة
في إطار مجموعة حفلات قامت بها مؤخرا هبة طوجي بين لندن وتورنتو وكيبيك، حطت الفنانة اللبنانية رحالها في عاصمة الأنوار أين وعدتنا بحفل مليء بالمفاجآت وكانت عند حسن ظن جمهورها الذي تدفق بأعداد محترمة وشباك مغلق. رغم تهاطل الأمطار بغزارة لم تمنع العوامل الجوية محبيها من الوقوف أمام باب المسرح الأثري الذي كلل واجهته اسمها كما جرت العادة.
حلاوة البدايات
بدأ الحفل بوصلة غنائية للثنائي madame monsieur الذي مثل فرنسا في مسابقة الeurovision في نسخة 2018 وتحصل آنذاك على المرتبة الثالثة عشر. كانت وصلة لطيفة قدمت فيها أغان عاطفية تغلب عليها الشاعرية ومهدت جيدا لبقية الليلة المميزة بفضل صوت Émilie satt وأنامل عازف القيثارة .jean Karl Lucas
وبعد استراحة قصيرة أطلت علينا الفرقة الموسيقية التي سترافقنا طيلة السهرة بقيادة الموسيقار أسامة الرحباني ومن بعده هبة طوجي بإطلالة بسيطة باللون الأسود وبحماس شديد لأول عرض لها في فرنسا كصاحبة مشروع، إذ أنها تنقلت من قبل في عديد المسارح الفرنسية بدور “ازميرالدا” في مسرحية “أحدب نوتردام”.
بدأت السهرة بأغنية “لو نبقى سوا” التي سجلتها مع الفنان البورتوريكي Luis fonci ,”بعد سنين” التي أعطت إسمها لألبوم هبة الأخير و”راجع من رماده الفينيق” التي اسْتُهِـلَّتْ بصوت الكبير منصور الرحباني كاتب كلماتها.
الثنائيات الناجحة
بدأ نسق الحماس في التصاعد مع تواتر الأغاني وأولى مفاجآت الحفل كانت بصعود الثنائي madame monsieur مع هبة لغناء الديو “pour savoir d’où je viens” فكان تلاقحا لثقافتين تعرف بفضله الجمهور العربي أكثر على موهبة وعذوبة صوت Émilie Satt.
ولم تنته المفاجآت بعد إذ أطل علينا أيضا ycare الفنان ذو الأصول اللبنانية ليغني مع هبة أغنية “les cèdres” التي يتغنى فيها بلبنان وأرزه وبالجسر بينه وبين البلد الذي بدأ فيها مسيرته الغنائية. ولن نجد أفضل من إبراهيم معلوف كي يضيف للأغنية لمسته السحرية عبر أنغام الترومبيت التي لبست ثوبا شرقيا ورقصت معه بجنون مُعْدٍ جعل كل القاعة تتحمس وتقف احتراما لموهبة ابن لبنان الوفي المبدع.
كلاسيكيات هبة
وتواصل الحماس مع السوبرانو اللبنانية التي امتعتنا بأفضل ما انتجت من أغان ولو أنني شخصيا أكاد لا أفضل واحدة عن أخرى، خصوصا عندما تستمع لها في مسرح عريق مثل الأولمبيا، وتتفاعل مع “بغنيلك يا وطني” التي تذكرك بغربتك، “خلص” التي توجعك بكلماتها و خاصة نوتاتها العالية أثناء المقطع الثائر، “إذا رجع وقلي بحبك” العاطفية جدا و “مين اللي يختار” التي تشحن مشاعر المرأة وتحمل لها رسالة واضحة المعالم: لا ترضي بأقل من الطيران في هذا الكون!
هذا الكون الذي تغنت به تلميذة الرحابنة في أغنية ألفتها رفقة زوجها ابراهيم معلوف بعنوان “صار أحلى الكون” ورافقها فيها كورال Sankofa Unit الذي يعج بالطاقة والحيوية.
هبة في حضرة النجوم
بعد جولة في سجل هبة الخاص فاجأتنا بأغنية “savoir aimer” ولم تكن في طبقتها المثالية فإذا بصاحب الأغنية “Florent pagny” الغني عن التعريف يرافقها فيها ويظهر بعد غياب لأسباب صحية، وكانا ثنائيا ناجحا للغاية.
ولازالت هذه السهرة تكشف عن أسرارها حين أطل مع هبة الفنان الشامل Mathieu chedid والذي سبق أن جمعته أغنية معها بعنوان “mappemonde” أعادا إحياءها أمام الجمهور بالإضافة لأغنية “le radeau”, و مثلما جرت العادة أضاف ابراهيم معلوف لمساته ذات الطابع الشرقي فحمّس كل الحضور المتعطّش لمثل هذه الأجواء، و التحق بالثلاثي كل من ycare و madame monsieur فكانت لحظات من النشوة الفنية الجماعية.
ولم يمر الحفل دون رائعة Michel legrand التي أبدع منصور الرحباني كلمة ونجله أسامة الرحباني توزيعا في تطويعها للعربية وجعلها أيقونة لا تستغني عنها هبة بتاتا، وكيف لا وقد كانت جواز عبورها العالمية عبر برنامج The voice 2015.
وعانقت هبة العالمية مجددا بحضور فنانة عظيمة ذات صوت لا يتكرر في حفلها، وهي التي كانت من بين جمهورها يوما ما فأضحت رفيقتها على خشبة الأولمبيا، بل وغنت معها أغنيتين: Broken vow والشهيرة je t’aime، نعم لقد غنت مع Lara fabian وأمتعنا صوتهما كثيرا. رغم اختلاف الأجيال والثقافة الموسيقية الا أنهما انصهرتا في مشهد فني رائع.
وصلة الختام
انتهت السهرة وليتها لا تنتهي بوصلة من الأغاني الراقصة بدأت ب”أول ما شفتو” العاطفية وانتهت بأغنيتين لبنانيتين في الصميم لحنا وكلماتٍ وهما “زمان” و “بلد التناقض” التي لا يخلو أي حفل منها، ورغم كونها طريفة العبارات إلا أن سماعها ينبأ بنهاية السهرة. كثيرا ما نجد الأستاذ أسامة يرقص الدبكة أثناءها وصار هذا طقسا لطيفا تعودنا عليه. ورغم كون هبة أعادت الأغنية مرتين إلا أن الحماس لم يخفت وبات الجمهور يطالب بالمزيد، ولكن هيهات فالساعة قاربت منتصف الليل وانتهت هذه المغامرة الجميلة كأنها لم تكن.
ليلة المفاجآت
لا أنكر تخوفي منذ أن قيل إن الحفل سيقترح علينا ضيوفا عدة، إذ أنني أتابع هبة طوجي جيدا وأعرف أن سجلها الغنائي بما يحتويه من روائع رحبانية يكفي ليؤثث حفلا كاملا في مسرح بقيمة الأولمبيا ولكن تحفظاتي كلها تلاشت تدريجيا إذ أن الفنانين الذين تواتروا على خشبة المسرح أضافوا رونقا ومستوى عال جدا ولا أتحدث فقط عن كلاسيكية Lara أو صوت pagny المميز أو تفرد Mathieu chedid، ف ycare و madame monsieur أبدعوا في الأغاني الثنائية مع هبة وهي أغان تمثل نقطة فارقة في سجلها.
“يا عمي اللبناني شغلة”
“يا عمي اللبناني شغلة” كانت جملة تقولها هبة في أغنية بلد التناقض و لم تكن تبالغ أبدا، إذ أن لبنان كان حاضرا بامتياز في ملك الترومبيت الشرقية الهوى ابراهيم معلوف بما يحمله اسمه من شهرة عالمية , في هبة , السوبرانو اللبنانية التي يتجاوز صوتها المعايير العادية في قياس مسافته و حلاوته، و يضيف ذكاؤها و ثقافتها على موهبتها مستوى آخر يميزها عن غيرها من زميلاتها، وأخيرا المعلم، الأستاذ، سليل أعرق عائلة فنية في العالم العربي أسامة الرحباني، الفنان الذي حاك سجلا متنوعا من الأغاني منقطع النظير، الذي أبدع في مواصلة النهج الذي بدأه الثلاثي عاصي و منصور و فيروز و ترك لنا إنتاجا غزيرا من الأغاني المعجونة فنا و فكرا، أشبه بالصور الشعرية في زمن أغاني المهرجانات، فلا عجب ان خطف الأضواء بصولوهات البيانو و بتعليماته للفرقة المحترفة، و انا أراهن أنه أحس بالفخر بتلميذته/شريكته التي لمعت بقوة في عاصمة الأنوار.