اخبار الفنكتب جمال فيَاض

ليلة الموجي ليلة الروائع في الرياض .. نظرة تقييم عامة، ووجهة نظر شاملة !

كتب جمال فياض

ليلة روائع الموجي في الرياض، كانت ليلة الإمتحان. ليلة إمتحان الجمهور قبل الفنانين المشاركين. فقد وقف أمامنا عدد من كبار المطربين العرب، ليغنوا لنا روائع عرفناها وسمعناها وحفظناها مثلهم ومثل أصحاب هذه الأغاني، بل الروائع الغنائية الموسيقية الشعرية والغنائية. ومحمد الموجي، هو بكل بساطة، الأستاذ الكبير الذي ترك بصمات لا يمكن لمتابع أن يحصيها، سواء بأصوات نجوم كبار، أو مطربين ومطربات لم يحققوا النجومية، لكنهم بالطبع حققوا النجاح ونالوا الإعجاب. بالمقابل، ظلّت الأغاني هي النجوم، وهي التي عاشت وترددها الأجيال من المطربين.

في ليلة روائع الموجي” تبارى صابر الرباعي وأنغام وشيرين عبد الوهاب وماجد المهندس وعبادي الجوهر ومي فاروق وزينه عماد أمامنا، وجلسنا نتابع ونستمع ونستمتع ونحكم … ونحكم؟ نعم نحكم، ولمَ لا؟ أليس للجمهور أن يحكم ويقيّم ويستنتج ويمنح علامات الإعجاب والتقدير لمن يؤدّي بجمال وحرفية وموهبة؟

تعالوا نستعرض معاً، ولنبدأ من الفرقة الموسيقية، بقيادة المايسترو وليد فايد الذي ضبط فرقته الهائلة الهيبة، وكأنه أمام جيش منضبط بمنتهى الإنضباط. فلم يحد أحد من هنا أو آخر من هناك عن نوتة بسيطة، وإذا حصل وخرجت نوتة من عجقة الموسيقى، إستدركت الفرقة بأكملها الزحطة بحرفية، لا يعرفها إلا المرهف والدقيق السمع. ولكن كيف نمرّ على الفرقة ولا ننوّه بوجود القدير الخبير سعيد الأرتيست (الطبلة)، والأستاذ الكبير رضا رجب (صولو الكمان) وفي الفرقة أساتذة من كل لون وآلة؟

أيضاً حضور الموجي الصغير، بقيادة الفرقة ما بين الفصول وفي صولو الكمان الجميل لمقدمة “رسالة من تحت الماء”، كان يستحق التنويه، بل التصفيق بحرارة، لهذا الشبل الذي صار أسداً من ذاك الأسد الذي احتفت به الرياض وكل الوطن العربي ليلة أمس؟

دخل صابر الرباعي بأغنية |جبّار” ، بل بأعجوبة الموجي ورائعته من فيلم “معبودة الجماهير” ومن كلمات الراحل حسين السيّد، فأبلى حسناً، رغم أن الهندسة الصوتية لم تساعده كثيراً، واعتمد على صوته وإحساسه وخبرته، واخترق الحاجز الصعب بالأغنية الأصعب. الأغنية التي لم نسمعها يوماً من صاحبها عبد الحليم حافظ على المسرح، لخطورة مثل هذا الأداء المباشر. لكن صابر تخطاها وقدّم كل إمكانياته وقفز فوق صعاب المباشر.

بعدها أطلّت أنغام، وهي قرينة الإحساس الحليمي لتغني “صافيني مرّة” التي كتبها سيمر محجوب، التي لها حكايات في الرفض والقبول، حتى استقرت بصوت عبد الحليم وصنعت شهرته وأنتشاره وكانت الطائرة التي ركبها الى النجومية. يعتقد البعض أن هذه الأغنية سهلة بسيطة، ولا تحتاج لجهد، وهي مفصّلة على مقاس صوت عبد الحليم الحساس لا القوي، لكنها هنا وبصوت أنغام، ظهرت بأصعب ما يمكن، وقد اجتهدت أنغام كثيراً لتنقذ ما يمكن إنقاذه، فالطبقة المختارة كانت طبقة رجالية، وصعبة وأرهقت أنغام كثيراً، وهي ذات الإحساس الرفيع، فتخطت الإمتحان بالخبرة … وعدّى الغناء!

في وصلت المطربة الشابة زينه عماد، تعرّفنا على صوت جميل، وحضور مميز لمطربة صاعدة غنّت رائعة “يما القمر ع الباب” التي وضع كلماتها مرسي جميل عزيز ولحنها الموجي لفايزة أحمد. زينة كانت في البداية مرتبكة، لكن الجمهور الجميل وجمال الأغنية وسلاسة اللحن، منحوها الثقة أكثر وأنطلقت تتابع متخلّية عن الخوف بجرأة المحترفين. فقدمت وصلتها بشطارة واضحة.

يعود صابر الرباعي فيقدم لنا موشّح “يا مالكاً قلبي” ، الموشّح الجميل والصعب الذي كتب شعره الأمير عبدالله الفيصل، وفي هذا الموشّح كان عبد الحليم مطرباً كبيراً، وطال الطبقات التي كان غالباً لا يقاربها، وما فعله صابر الرباعي هنا، لم يكن أقلّ مما فعله حليم. وصابر الذي يجمع بين الإحساس والحرفية بالأداء، كان على قدر المسؤولية واللحن والطرب. فنال التصفيق الذي استحقه.

إطلالة عبادي الجوهر، في “كامل الأوصاف” التي كتبها مجدي نجيب كانت مقبولة، لكنها ليست مثالية، وهو أخطأ الإختيار من بستان الموجي. لكنه عاد وأجاد بأداء قصيدة “لي طلب” من شعر الأمير بدر بن عبد المحسن، والتي لحنها الموجي لصوت طلال المداح. وهنا، كانت المقاسات مضبوطة، وأثبت الموجي وبعد رحيله بعقود أنه كان يعرف لكنة الصوت وليس لهجة المطرب فقط، ويعرف المقاييس التي يبني عليها ألحانه. وبين الجوهر والمداح، صوت ونكهة أداء تطابقت جداً. وقلنا ليرحم الله الموسيقار الكبير وميزانه البديع.

مي فاروق دخلت علينا برائعة أخرى للموجي من أغاني أم كلثوم، “إسأل روحك” التي كتبها عبد الوهاب محمد. وكانت أستاذة كبيرة، وصوت جميل جداً، لكنها في بعض الأماكن حاولت أن تتصرّف باللحن، وهو أمر لا يجوز خصوصاً في هذه الحالة، هنا نحن نستعرض روائع الموجي، فلا يجوز أن نضيف أو نتصرّف ولا نتشاطر عليها. الموجي قال موسيقاه، وأم كلثوم غنّت لحنه، فلا نستعرض أي إضافة ، وإن أردنا مثل هذا، ففي حفلات عامة أخرى، لا في حضرة التكريم والعرض الرسمي.

شيرين عبد الوهاب، قدّمت أول لحن أهداه الموجي لفايزة أحمد لتبدأ منه مشوارها الغنائي، من كلمات مرسي جميل عزيز. هذه الأغنية التي نراها مثل “صافيني مرة” بسيطة وسهلة، كانت بميزان السمع، صعبة وكلها إحساس. وشيرين هنا غنت بحرفيتها فقط، لا بإحساسها. شيرين بحاجة لإعادة برمجة إحساسها. هي لم تترك همومها خارج المسرح. لكن سحر الحضور وجمال وكاريزما الصوت والشكل كانا من أهمّ خطوط الدفاع عن نظرتنا لها، ففازت بقلوبنا وحبنا الكبير لها.

في الفاصل بين الفصلين، أطلّ الفنان التركي عازف القانون أيطاش دوغان الأستاذ الكبير مع فرقته من خارج المسرح، فقدم موسيقى أغنية “أما براوة”(نجاة) وأكدب عليك”(وردة) وأمتعنا لندخل بعدها الى فاصل موسيقي على المسرح الكبير، مع الفرقة بقيادة الموجي الصغير، والذي عزف موسيقى من ألحان الموجي. بتوزيع أوركسترالي كبير وجميل.

في وصلته الثالثة قدّم صابر الرباعي “قارئة الفنجان” من شعر نزار قباني، وهنا أبدع صابر، وأنجز أجمل الإنجاز، وأمتعنا بوصلة كاملة من الغناء الجميل والمحترف والمضبوط على “سنكة عشرة”.

ثم أطلّت أنغام وأبدعت ب”عيون القلب” التي كتبها عبد الرحمن الأبنودي، وشدت بها نجاة وعاشت الأغنية حتى اليوم. وأنغام هنا، كانت بمنتهى السلطنة، وكأنها أغنيتها ولونها وإحساسها. فأنجزت وأبهرت، وتمنينا لو زادت أكثر.

مع عودة شيرين بأغنية “للصبر حدود” كانت الهندسة الصوتية تغيّرت، فإما شيرين لم تمسك المايك كما يجب، وإما الحكاية فيها “إنّ” … لم يساعدها صوتها كثيراً، وشيرين التي أحضرت معها مشاكلها، صارت تمثل لنا كلمات الأغنية وكأنها في مشهد تمثيلي … ونكتفي بهذا القدر!

إطلالة النجمة يسرا كانت بمنتهى الشياكة وهي تقدم لتكريم الموسيقار الراحل بدرع تذكاري لأسرته…

ماجد المهندس، ختمها بقصيدة “رسالة من تحت الماء” القصيدة التي كتبها نزار قباني، ولحنها الموجي لنفسه أولاً، وغناها للملك الحسن الثاني، في عيد ميلاده، ثم منها كانت المصالحة التي أعادت العلاقة مع عبد الحليم ليغينها وتبدأ منها رحلة متجددة بينهما. وماجد المهندس، أحسن الإختيار، فلا اختار باللهجة المصرية ولا بلكنة خليجية، هو قدّم قصيدة السهل الصعب الممتنع، وأطلق فيها كل إحساسه الجميل، وكان بمنتهى الجمال …

خلاصتنا لا بد أن تنتهي ببعض الملاحظات،

فالتقديم بين كل مطرب وآخر كان يجب أن يكون أكثر جدية، كأن تقدم مذيعة أو مذيع كل مطرب أو مطربة بشكل متقن. وأن نتذكر من كتب هذه الأغاني والروائع. وأن نحكي عنها حكاية ولو بسيطة وسريعة. فالمشوار الغنائي للموجي، لم يكن مجرّد ملحن يوزّع الألحان. أما المداخلات المسجلة للفنانين بين الفواصل، فلم تكن فيها الكثير مما لا نعرفه. كان يجب الإستحصال منهم على ما لم تنشره الصحافة، ويتمّ تداوله في الكواليس الفنية ، وما أكثر مثل هذه الحكايات …

كان يمكن تقديم ميدلي لمجموعة ألأحان للموجي، بأصوات شباب تستحق الظهور في وصلة قد لا تتجاوز العشر دقائق، لكنها كانت ستمنح الفرصة لبعض المواهب.

لكن إذا أردنا الختام؟ بالحق يقال … كانت سهرة من العمر، لمبدع لا يمكن أن ننساه لأجيال وأجيال ..

شكراً “هيئة الترفيه” على مثل هذه اللفتات المبهرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى