اخبار الفنكتب جمال فيَاض

ماجدة الرومي … شكراً لأنك موجودة في حياتنا

الماجدة، عندما تحلّق بروائعها …

كتب جمال فياض

لا أعرف سبباً واضحاً جعلني أشعر بهذه السعادة، وهذه النشوة المختلفة عن سابقاتها التي انتابتني وأنا أشاهد وأسمع ماجدة الرومي، على مسرح “مهرجانات جونيه الدولية”. أعتقد أن الآلاف التي كانت من خلفي ومن أمامي وعلى محيط المكان، شعروا مثلي. أنا لم أسألهم، لكني رأيتهم بعيني، وشعرت بهم جميعاً. كلهم كانوا بحالة لم أشعر بها في أي مهرجان حضرته. حالة قد تكون تحصل لمرات قليلة ونادرة.
فلنبدأها خطوة خطوة. وصلنا الى مواقف السيارات. كل شيء بمنتهى التنظيم. من أول منعطف أدما، ستجد من يرشدك الى مكان تجمّع سيارات الزوار. ستقلّك الباصات المخصصة الى حيث المدرّج الضخم. تصل وتدخل دون أي عائق أو إزعاج… منتهى التنظيم، والترتيب!
تجلس في المكان المحدد على البطاقة، وتنتظر قليلاً… لتدخل الفرقة الموسيقية، منتهى الأناقة والجمال، ويطلّ المايسترو الوسيم لبنان بعلبكي، والذي لا تفوته شاردة منذ لحظة دخول على وقع تصفيق الجمهور الكبير. بعد النشيد الوطني، تعزف الفرقة من موسيقى حليم الرومي، مقطوعة ساحرة، تحتار كيف يمكن أن يكون الموسيقار الكبير الراحل قد كتبها ولم نسمعها نحن جيل الزمن الجميل، والعصر الذهبي. فرقة من مئة وعشرين فنانة وفنّان، بل أستاذة وأستاذ. كل منهن ومنهم مخصرم ومبهر. تبدأ موسيقى “عم يسألوني عليك الناس” للملحن نور الملّاح، لتطلّ ماجدة الرومي، بل أميرة من حكايات الخيال الطفولي، بفستان أزرق خفيف التطريز، لكنه يتوهّج بوجه ملائكي فيه كل ملامح السماح والسلام والبراءة والنقاء. يدوّي تصفيق حار وحماسي من اللحظة الأولى، حتى لحظة أخذت الأميرة النفس الأول لتبدأ الغناء. هنا، صمتٌ مُطبق! لقد بدأت الأميرة، والصمت هنا مثل صلاة. لكن هيهات أن ترضى الماجدة بهذا الهدوء. فوراً تلاعبت قليلاً بصوتها، ومالت قليلاً مع النغمات، وهات يا حماس، وهاتوا يا ناس مشاعركم، وأحاسيسكم وارموها في حضرتها، فيستبد بها وبنا الطرب والإنسجام، فتستحيل الأميرة الصغيرة البريئة، ملكة مسيطرة بجبروت الحب الكبير على القلوب، وتمسك بأحاسيس الأفئدة.
لم تترك مقاماً إلا وغنّته. لم تمسك طبقة بالصوت إلا وطالتها بسحر، وشجن، وغضب ساطع، وحنان غامر. كل الأغاني نحفظها، لكنها هذه المرّة وكأنها لم نسمعها من قبل. نحن قلبنا السحر على أنفسنا، فعدنا وكأننا أبرياء من كل تاريخ الماجدة. وبدأنا نستعيد متعة أن نتفاجأ بكل هذا الغناء من جديد.
ضحكت، وتمايلت، وغضبت، وقالت، ولطّشت، ثم انفعلت واعترضت، وتمنّت وطلبت، وختمت بأن لا بديل لنا في الدنيا من لبنان، من وطننا الذي لم يتعذّب شعب في العالم مثل عذابه.
تترك ماجدة الرومي، مساحة لكلّ أستاذ معها في الأوركسترا الرائعة التي ترافقها. أخذ القانون وقته في التقسيم، حتى انتزع التصفيق من الجمهور ومن السيدة الكبيرة. ثم سلطن الناي، فاجترح علي المذبوح المعجزات ليتمتم بالناي نغمات تشحن الدمعة والنهدة. والساكسوفون نال حصته كما البيانو في أغنية “اعتزلت الغرام” التي لحنها الراحل الكبير ملحم بركات. ثم دمعة انتزعتها منّا ونحن نتذكر الأغنية الشهيرة من فيلمها “عودة الإبن الضال” التي لحنها الراحل كمال الطويل. تليها تحية “يا بيروت يا ست الدنيا” للراحل نزار قباني والدكتور جمال سلامه. وتلتها “كلمات” نزار وإحسان المنذر. ولم تفتها جملة أغنيات روائع من ألحان إيلي شويري والراحل زكي ناصيف، وأغنية من هنا لنصري شمس الدين، وكوكتيل من فولكلوريات الرحابنة.
إختصرت ماجدة الرومي تاريخ لبنان الموسيقي بسهرة واحدة. ثم أكملت روعتها بصحبة فرقة رقص فولكلورية، أبهرت بالإتقان والملابس والحركة المضبوطة على وقع قلب الماجدة المحب والمسالم، والخافق بالحماس لإرضاء كل هؤلاء، الذين تكبدوا عناء الزحف الى حيث يشعرون بأنفاس الحبيبة الغالية. من كل لبنان، بشماله وجنوبه وشرقه وغربه وبيروته. من مصر، من المملكة العربية السعودية، من المملكة الأردنية، من سورية… من كل مكان! ومن لم يحضر، شاهد وسمع عبر الهواتف التي كانت تنقل بالمباشر الحدث الكبير لجمهور حول العالم، عبر مواقع التواصل المختلفة.
ليلة دافئة جداً، حارة جداً، حماسية جداً وجداً ، والأهم أن حضور ماجدة صوتاً وصورة وروحاً كان بمنتهى الجمال والروعة.
من لم يكن في هذا الحدث الهائل، فاته الكثير من نشوة الفرح!
شكراً ماجدة الرومي، أنك موجودة في حياتنا… قلتها، وقالها كُثُر معي!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى