مسرحية سلطان زمانو … نوعٌ خاصٌّ غاب عن ساحة المسرح السوري
دمشق – عامر فؤاد عامر
تَعْرِضُ فرقة مسرح سوريا على خشبة مسرح الخيّام في دمشق مسرحيّة “سلطان زمانوو” من تأليف سعيد حناوي، وبطولة وإخراج محمد خير الجراح، وإنتاج أسامة سويد، ومن بطولة الممثلين أريج خضور، محمد سويد، سمير الشماط، رشا رستم، أحمد حجازي، وفادي الحموي، بالاشتراك مع فرقة جلّنار للمسرح الراقص.
“سلطان زمانوو” مسرحيّة كوميديّة اجتماعيّة، ذات طابع عائلي، مؤلّفة من عدّة مشاهد موزّعة على مدى ساعتين ونصف، تعود بنا لنوعٍ خاصٍّ غاب عن ساحة المسرح في سوريا، يصنّفه البعض بأنه مسرح تجاري أو مسرح “بيّاع”، يمكن لأفراد العائلة جميعها تلقي أفكار المسرحيّة بمتعةٍ متواصلةٍ، فهي تخاطب المتلقي على تنوّع الأعمار، لكن ما يميّز مسرحيّة “سلطان زمانوو” أيضاً أنها أخذت قفزة إضافيّة تفوق تلك الصفات، فهي مؤلفة من قصّة بسيطة لكن تحمل مضامين بأبعاد، تخاطب همّ الشارع السوري، والعربي عموماً، تؤكد بأن جميعنا أسرة واحدة، فلماذا الخلاف؟ وذلك عبر قصّة حبّ لها حبكتها الدّراميّة الخاصّة.
في “سلطان زمانوو” جهود لا يمكن إغفالها، من بينها جهود وأداء ممثلي العرض، فالفنان محمد خير الجراج أحد نجوم الكوميديا، استطاع بحضوره أن يضفي مساحة تشويقٍ مميّزة في كلّ مفصل من مفاصل العمل، وقد أدى أكثر من ست شخصيّات “الأب، الابن، المرأة، المجنون، المأذون، والمشعوذ”، وكان محوراً أضاف للمسرحيّة وزنها الخاصّ، وتحسب له هذه الجرأة في الطرح، إذّ لا بدّ من الاعتراف بأنه كان ممثلاً قائداً للعرض، لكن هذا لا يخسّف من أهميّة وتوازن بقيّة العناصر وجهود باقي الممثلين، فقد قدّم سمير الشماط أداءً ملفتاً من خلال رسمه شخصيّة المحامي، ومغامراته ضمن المساحة المتاحة له، كان ناجحاً في التعابير، والانفعالات، واقتحامه المدّروس للحظات متعلّقة بزملائه من الممثلين بطريقة كوميديّة تنمّ عن اجتهاده في بناء الفعل، وهذا ما يجعلنا كجمهور ننتظر منه المزيد في المستقبل، وكذلك أريج خضور التي منحت الشخصيّة امتلائها وحضورها الكافي، وفادي الحموي وبراعته في التعامل مع شخصيّة الشيخ، ورشا رستم وأحمد حجازي ومقدرتهما في التواصل مع الشخصيّات والبناء معها بقوّة وتميّز، وكذلك محمد سويد حيث استطاع أن يكون مرادفاً كوميديّاً جيّداً على الخشبة، في دورِ فرض نفسه بقوّة على الجمهور، واستمر بنجاحه في معظم المشاهد.
لا يمكن مطالبة هذا النوع من المسرح أكثر مما يجب، وفي “سلطان زمانوو” المتعة حاضرة، والرسائل الموجّهة للجمهور دسمة، وتحمل جرعتها الكافية كمنعكسٍ للهمّ اليومي، ويتكلّل نجاح العمل بنصٍّ واضح المعالم، وإخراج متناغم مع بساطة الطرح والهدف منه، وديكور مألوف للمتلقي لا يحمل أيّة تعقيدات، وإضاءة تخدم العمل بما يتناسب وهدف المشهد، وموسيقى مميّزة تضفي نوع من الراحة والمتعة للمتلقي، ألّفها الفنان معن دوّراة، فكان صلة وصل حاضرة بنغمٍ شرقيٍّ محبّب، وهذا هو دور اللغة الموسيقيّة في نوعيّة المسرح تلك، بالإضافة إلى عناصر كثيرة لا يسعني ذكرها الآن، لكن وفي نهاية المطاف لا بدّ من القول أن تقديم مثل هذه العروض بات ضرورة للجمهور السوري، وللفئات الشابة منه التي لم تتلقَ على مدى عشرات السنوات مثل هذا اللون في العمل المسرحي، وحبّذا لو يستمر المسرح لدينا على تنوّعه، فنفتح باب الخيارات، والانتقاء، والمعرفة المتجدّدة لمتلقي المسرح السوري، والإبقاء على حالة الصلة مع ما يُنتج ويُقدّم بعيداً عن شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي التي سيطرت على الذهنيّة والرغبة في السنوات الأخيرة.