من دمشق الى بيروت ، دردشة هاتفية مع سماحته
كتب جمال فياض
دردشة هاتفية مع سماحته…
لا يكون الشخص بارزاً في مجتمعه، إلا إذا كان مدققاً في كل أمر من أمور الدنيا. يكون متعلماً، وهذا لا يكفي، يكون مثقفاً وهذه إضافة هامة، لكنها لا تكفي، يكون محدثاً طليق اللسان، وهذه إضافة ممتازة لكنها لا تكفي… يجب أن يكون راداراً، يلاحظ كل تفصيل، يطّلع على كل ما يدور حوله ويلاحظ. ينتقد أو يثني ويشيد، أن يكون حاضراً دائماً بمعلومة مهما كانت هامشية، ليدلي بها، مسالماً باسماً، فيأسر قلب محدّثه وسامعه، فيفوز بالانتباه المحبّب. ومن فاز بانتباه الناس المحبّب، فاز بمحبتهم ونال رضاهم.
تلقيت أمس اتصالاً من الصديق العزيز الأستاذ ياسر نحلاوي وهو صديق كبير، له موقعه في مجتمعه، وعضو سابق في مجلس الشعب السوري، وكالعادة نتشاور بأمور ثقافية وإعلامية وفي مختلف المجالات، ثم يمرّر لي المكالمة لأسلّم على صديق يجلس واياه، ويقول سماحة المفتي الشيخ أحمد حسّون يسلّم عليك، وها هو كلّمه!
المفاجأة كانت بسيطة، لكن الجميل أني كنت دائماً معجباً بفصاحته وقدرته وتمكّنه وطلاقته في الخطابة وطواعية لغته وسرعة بديهته.
أهلاً سماحة المفتي، أتمنى أن تكون بخير، سمعت أنك تعاني صحياً، فيقول، هو الديسك وآلامه وأرجو أن تكون حالتي أفضل فأنا أتحسّن… ثم يعاجلني قبل أن أسبقه بالتعبير عن مودتي وإعجابي، بكلام فيه من الحلاوة، ما يُخجل تواضع أي شخص مثلي. وقبل أن أعتبرها مجاملات عابرة، يعدّد لي ملاحظاته الإيجابية عن أحاديث تابعني فيها في عدة برامج تلفزيونية، ربما ليثبت لي بكياسة وذكاء أنه يتابع ولا يرمي كلام المجاملات. فيقول ، أحلى ما فيك أنك باسم دائماً، وإذا استفزك المذيع أو المذيعة تنفعل برزانة فلا تبالغ ولا تجرح ، قلت له : علمتني أمي أطال الله عمرك وعمرها مبدأ مشيت عليه دائماً “حبّ وداري، وأبغض وداري”. ضحك وقال ما أروعها جملة إختصرت الحديث المعروف “أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما”. لقد اختصرت والدتك الحديث بكلمتين، ما أجمله اختصار.
ويقول، أنت صهرنا من حمص، ونتشرّف بك، فأجيبه: يا شيخنا الكريم قالوا لي أني أحب سوريا لأن زوجتي سورية، فقلت لهم “بل لأني أحب سوريا تزوجت من سورية”. فيضحك، ويجدها مناسبة ليفتح شهيتي على كلام يعرف أني أؤمن به فيقول، أساساً يا عزيزي، لبنان هو قلب سوريا، وأنا لطالما ناديت أن أعيدوا لبنان الى سورية، وأقصد الودّ والحب والأخوّة بينه وبين سوريا. لقد قلت يوماً لإبنة الزعيم أنطون سعاده صوفيا، إن سوريا ليست فقط سوريا بحدودها المعروفة اليوم، إن سوريا هي من أقصى شمال العراق الى جزيرة سيناء، فقالت لي “لو كان والدي أنطون سعادة حيّاً لجعلك المرشد الروحي للقوميين الإجتماعيين. وذات يوم قلت لخالد بكداش( رئيس الحزب الشيوعي السوري توفي عام ١٩٩٥) إن سورية هي أم حضارات الأمم، وتاريخها يمتد الى كل الأمم ويطالها، فقال لي لو كان لينين حيّاً لجعلك المرشد الروحي للأممية الشيوعية… وضحكنا للتعليق!
ثم يتابع، إن لبنان هو قلب سوريا، والأردن هو ظهر سوريا، والعراق هو رئة سوريا، وكلنا نتكامل ونتعاضد لنصنع قوة أمتنا العظيمة. والكبوة لا بد أن تمرّ وننهض من جديد. المهم أن نؤمن بأننا لا بد سننهض. ثم يستفيض بالكلام الجميل عن لبنان، وبيروت فيقول: كنت فتىً صغيراً، أجمع قروشاً لأشتري بها صحف ومجلات لبنان، صحيفة النهار ومجلة الصياد والحوادث، وأتابع أخبار لبنان. لبنان، بلد الثقافة والعلم والنور والأدباء الذين كانوا يجتمعون في مقاهي شارع الحمراء، ومقاهي الروشة. لبنان ليس بلداً عادياً، بل هو تاريخ وحضارة كان منارة الشرق بأدبائه وكتّابه وشعرائه.
قلت حديثك ممتع يا صاحب السماحة، وهذا يدلّ على صدق ومعرفة، فقال: أنا مسلم، أحترم كل الأديان والشعوب، أنا أقول الحمدلله رب العالمين، ولا أقول “رب المسلمين” لأنه ربّنا جميعاً، ونحن كلنا نعبده ونؤمن به، فعلى ماذا نختلف؟ إن أمنيتي الأولى والأهم دائماً، أن نتحد ونحب بعضنا البعض، ولا تفرقنا أسباب.
يطول الحديث مع الشيخ المفوّه بأسلوبه العذب بالكلام الحلو، ومعرفته بكل التفاصيل، فلا يقول كلاماً في الهواء، بل بحساب، وكل كلمة يعرف معناها وما خلفها وما فيها.
ينتهي الحديث الممتع القصير، على أمل لقاء قريب في دمشق، نجلس برعاية حبيبنا وصديقنا المشترك، عرّاب الصداقات الجميلة، الحبيب المحب ياسر نحلاوي.
والى لقاء قريب في المدينة التي أحب والتي غنيناها مراراً مع صوت فيروز “أحبُ دمشقَ هوايا الأرقّا. أحب جوار بلادي. ثرى من صبا و ودادِ. رعته العيونُ جميلة. و قامة كحيلة. أحب أحب دمشق…”.