اخبار الفنمشاهير

نستذكر معاً أغنيات جورج فهد في ذكرى رحيله السابعة


صوتٌ أصيلٌ قدّم فلكلور الساحل بعيداً عن التشويه
عامر فؤاد عامر
يُشيرُ فيلسوفُ اليونان أفلاطون في أحدِ مؤلّفاته: “مَنْ حَزِنَ فليسّتمع للأصوات الطيّبة، فإنّ النفس إذا حزنت خَمدَ منها نورها، فإذا سمِعت ما يُطربها؛ اشتعل منها ما خَمد”.
تغتني بلادنا بالأصوات الرخيمة القويّة التأثير، وعبر عشرات السنوات بقيت هذه الأصوات علامة فارقة فيما أنتجت وأعطت، لا سيّما في محليّتها وإخلاصها للخط الذي انتهجته، ومن بين هذه العلامات الفارقة، نذكر الفنان جورج فهد، الذي اجتهد للفنّ، ولم تُغرِه ملذّات الشهرة ومسوّغاتها، فبقي على ارتباطه مع لغة الفنّ الأنيقة، والمرتبطة بالتراث، واللحن الأصيل.
جورج ابراهيم فهد، الفنان السوري الساحلي الذي وُلد في مدينة اللاذقية عام 1936 ليغرف من بيئته ألوانها العتيقة، ويقدّمها للجمهور صورةً نقيّة، ومن دون تشويه ولا عبثيّة، فعرف الناس منه أغنياتٍ مثل: “يا محلا الفسحة يا عيني”، و”يا شجرة الليمون”، و”ما هي عالبال”، و”على روض الحبيب”، و”عاليانا اليانا”، وغيرها.
في ذكرى رحيله نتلمسُ خطّاً فنيّاً بمزاجٍ مختلف عن السائد اليوم، ويقول المقربون منه “كان شديد الارتباط بأغاني الفلكلور، والتراث الساحلي، والأغاني الأصيلة، وكان يترك الحفلَ ويرحل في حال لم يلقَ أُذن “السمّيعة” وفي حال شُغِلت البطون بالموائد”، وعبر كثيرٍ من الروايات التي سمعناها، نستنتج أن الصدق الذي تمتّع به الفنان جورج فهد، قد قاده للابتعاد عن فرص كثيرة، كانت من الممكن لها إغناءَ انتشاره وحضوره سواء على الشاشة أو في ساحة الغناء عربيّاً.
يترك الفنان بصمته في ألحانه الخاصّة، ففي لحظة العشق للعمل تبدأ خصوصيّةٌ ما، ولجورج فهد اثنا عشر لحناً، وضع فيها طابعاً يشبه حماسه، ومزاجه، ومحبّته لما يقدّم، ويبدو أن الأغنية المعروفة “يكون في علمك أنا مش فاضي” كانت الأبرز من بين الألحان التي قدّمها وغنّاها، إضافة لأغنياتٍ سجّلها لإذاعة دمشق وللتلفزيون في مرحلةٍ لاحقة، ومنها: “بعدك يا قلبي”، و”سهرتيني”، و”سألوني”، و”مع ألفين سلام”، و”أمل ضايع”، والأغنية الوطنيّة “لقمة عيش ونقطة دم”، و”مررتُ في البحر” وغيرها.
التقينا بابنته عايدة التي أشارت بدايةً إلى الجملة “أؤمن بالحبّ إذا كان من أجل الحبّ” وقد قالها في أحد اللقاءات الصحفيّة السابقة، وكانت بين أوراق أرشيفه الخاصّ، وبعودة إلى الذاكرة تضيف: “امتلك إحساساً عالياً، وكان عاطفيّاً وعصبيّاً معاً، وأذكر أنه يكره الخطأ كثيراً ويدقق عليه، وذات مرّة كان قد وجّه لي ملاحظة بقسوة، ولا بدّ أنه كان محقّاً فيها، إلا أنني وجدته بعد قليل منزوياً في غرفته يبكي، فقد كان شديد الحساسيّة” لكنها تؤكّد لنا أيضاً أن الوسط الفنّي لم يخدمه كما خدمه هو، فقد أخلص وأعطى كثيراً، وكان أوّل نقيب للفنانين في اللاذقية 1986، وانشغل في جلّ وقته للمسائل الفنيّة، وتضيف عايدة أيضاً إلى أن علاقةً وُلدت بين “الجورجين” أي والدها وابنها، اللذان حملا نفس الاسم، فقد لمس لديه خامة الصوت التي كان يقول لحفيده فيها بأنها خامة جميلة، لكن تحتاج لصقل وعمل، وغالباً ما كان يوجّهه لذلك، وينصحه بالعمل، حتى آخر فترة من حياته، وتقول عايدة فهد: “غنى جورج ابني وهو بعمر الثلاث سنوات ونصف أمام والدي، أغنية “بدي شوفك كلّ يوم”، وقد تفاجأت بأنه كان يحفظ كلماتها ولحنها، وسُعدَ والدي كثيراً به، وأثنى عليه”.
ينضم إلينا جورج قبيلي، في هذه الأثناء، وهو حفيد الراحل، الذي يعمل ممثلاً في الوقت الحالي، ويكمل لنا شيئاً عن العلاقة مع جدّه: “كنت أرغب في قضاء معظم وقتي معه، فهو الجدّ المسلّي والممتع بمشاريعه الكثيرة التي كان يُغرقني فيها، وكثيرةٌ هي التفاصيل التي حفظتها عنه، وأذكر صوته الجميل في أذناي دوماً، ففي السهرات العائليّة الكثيرة العامرة في البيت، كان يحتضنني خلالها وهو يغني” ويقول جورج عن جدّه أيضاً: “أذكره قبل وفاته بأسبوعين في سهرة ضمّت أفراد العائلة، وبقي صوته كما هو قويّاً، وبنفس أناقته وجودته، على الرغم من التعب البادي على الجسد، ومن المعروف أن قلائل من يبقى صوتهم على جودته مع التقدّم في السنّ”.
قد يكون ليوم الثلاثين من آذار رمزه في “يوم الأرض”، والاحتفاء به أملاً بعودة الأراضي العربيّة المغتصبة، وعودة جولاننا الحبيب – الرمز والقضية، إلا أن استذكارنا لرحيل جورج فهد في نفس اليوم يصبّ في نفس المغزى الوطني، وعمق هويّتنا وتجذّرنا في هذه الأرض الحبيبة، وأثناء تقليب عددٍ من صفحات أرشيفه تمرُّ أمامي صورٌ تؤكد على العلاقة مع السيّد جبرائيل سعادة، الشخص الذي دفع بالحالة الفنيّة في اللاذقية إلى الأمام، فأسس هو وجورج فهد فرقة الغناء الشعبي في العام 1964 وهذا ما أوضحته لنا أيضاً السيّدة سميرة جرجورة التي عرفته عن قرب، فهي أخت زوجته، وتابعت المزيد من نشاطاته الفنيّة، وتقول بأنه كان توّاق جداً للطرب، واللقاء بالجمهور، ونشر الفن الأصيل بين الناس، وكان واثقاً بنفسه وإمكانيّاته، وتعتقد هي بأن ظروف حرب تشرين 1973 وما بعدها، إضافةً إلى سكنه في اللاذقية، وعدم تواجده الدائم في العاصمة دمشق، هي من العوامل التي قلّلت من انتشاره على صعيدٍ أوسع.
يبقى للفنان أثره الجميل في النفس البشريّة، وإلا لن يكون مُبدعاً، والفنان جورج فهد كان خير من قدّم أغنيات البحر وحافظ عليها، بعيداً عن لغة التشويه وهوس الشهرة، فكان أفضل من مثّلها من الرعيل القديم، وأقدر من خطى في درب الفن الغنائي عبر محليّته والبيئة التي انطلق منها، نذكره اليوم في سنويّة رحيله السابعة، ليبقى حاضراً بيننا لحناً فريداً وأصيلاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى