هل فاز تيم حسن بنجمة ترقية من “العميد”؟
دمشق – عامر فؤاد عامر
عُرضَ على المِنصّة الإلكترونيّة “شاهد نت” في الآونة الأخيرة مسلسل “العميد” – وكما درجت العادة في مشاهدة الدّراما خلال السنوات الأخيرة – يُعدُّ من الدّراما المشتركة بين سوريا ولبنان، وهو من تأليف وإخراج باسم السلكا، وبطولة نخبة من نجوم التّمثيل في البلدين، أبرزهم الفنان تيم حسن، والفنانة كاريس بشار وغيرهما، ومن إنتاج “كينك سيت د ك ل برودكشن”.
جاءَ المسلسل في اثني عشرة حلقة، في كسرٍ للسياق التقليدي الذي عهدناهُ في رمضان – الثلاثين حلقة على عدد أيّام الشهر الفضيل- وبسبب جدّة التجربة، وبعد استطلاع آراء ممثلين، ومشاهدين، ونقّاد، وجدنا أنفسنا بصددِ بعض التساؤلات وجبَ الإجابة عليها، وتسليط الضوء على جهد المحاولة الجديدة، فهناك عدّة محاور يُمكن الوقوف عندها، إذْ أنّه هل امتلكنا حتى اليوم المقدرة على وضع الأسس في تقنيّة الكتابة لمنصّات الإنترنت؟ والتي لها خصوصيّتها المُختلفة عن نمطيّة كتابة المسلسل التقليدي المخصّص لشهر رمضان الفضيل! فهناك فرق بين الكتابة لمسلسل مؤلّف من ثلاثين حلقة، وآخر مخصّص لمِنصّات الإنترنت! وهذا يقودُنا للتساؤلِ التالي: هل لدينا كتّاب حقيقين يُتقنون الكتابة لهذا النوع بالتحديد؟ فبعد استمزاج الآراء وجدتُ أن الكثيرين لم يستخلصوا الفكرة الرئيسة للعمل.
تدورُ أحداث المسلسل، الأقرب إلى النمط البوليسي في التصنيف، حول ملابسات قضيّة يبحثُ فيها محققٌ في الجرائم لحلّ اللغز، لتُعرض لنا الحكاية كأحجية مشوّقة، فيتناول العمل روحاً تتناسب والظروف الأخيرة التي مرّت فيها البلاد، فكان مخيم المُهجّرين من الأراضي السوريّة نحو اللبنانيّة في خط أساسي لهذا العمل، فهو موطنٌ للخلل، والجريمة، والاغتصاب، والعنف، والإتجار بالبشر، والفقر المُدّقع، والابتزاز، والسرقات، والتشرّد، والخير مقابل الشرّ، والمكان الذي يحمل طيف الألوان المتنوّع، فيه تعايشٌ لتوليفة مألوفة وغريبة في نفس الوقت.
إلا أن حامل محور العمل هو العميد، وهو أستاذٌ في إحدى الجامعات في لبنان، ينادونه بالبروفيسور مراد الجوخدار، الذي جسّد دوره الفنان تيم حسن، وهو أستاذ في القانون الجنائي، تلتقيه الكاتبة الروائيّة سلمى جابر، وتجسّد دورها الفنانة كاريس بشّار، زوجة المفقود عامر وجسّده الفنان “رودني حدّاد”، وأشارتْ معطيات الحادثة بأن الأخير مقتولٌ، فيقوم فريق شرطة التحقيق باستلام القضيّة وبطريقة ما تبدأ المنافسة بين الضابط يوسف الذي استلم القضيّة رسميّاً لمتابعتها، ويُجسّد الدّور الفنان بديع أبو شقرا، وبين المحقق مراد المُوكَّل من قبل سلمى في القضيّة نفسها.
يبدو أن العمل نجحَ إلى حدٍّ جيّد في خلق محاور تشويقٍ متعدّدة، مُحققاً البنية الدّراميّة للعمل البوليسي، فبعد الوصول لكلّ دليلٍ يمكن من خلالها أن تُحلّ القضيّة برمّتها يختفي هذا الدليل، لتتعقد القضيّة من جديد، وهكذا حتى نصل إلى الحلقة الأخيرة فتحلّ الأحجية نفسها سريعاً، لكن السّحر الخاصّ في العمل بدا من خلال علاقة الحبّ التي تشكّلت بين مراد وسلمى، والتي جذبت المتلقي بطريقةٍ ناجحة.
ما أضعف تماسك العمل هو الحشو والإقحام لبعض الشخصيّات، فقد لوحظ بقوّةٍ أن هناك أربعةٌ منها على الأقل جاءت بمساحةٍ أكبر من حقّها في الحضور، وهذا واضحٌ للمُشاهد والناقد، والعيب هنا يقعُ على كاهل النصّ والتعديلات التي وقعت أثناء العمل، وكان من الممكن التخلّص من هذه الزوائد لتمنح العمل جسماً مشدوداً أكثر، إذّ لا يجوز أن يلعب صاحب الدّور الثانوي مساحةً تُوْهِمُ المتابعَ وكأنه صاحب دورٍ أساس! وبالتالي هي إضافات لا معنى لها بحضورهم، ويجب التنويه هنا إلى أن هذه المسألة كثُرَ تكرارها في الأعمال الدّراميّة مُؤخراً.
رأينا من واجبنا الوقوف عند التّجربة الإخراجيّة الأولى لباسم السلكا وتقييمها، ويمكن القول بأن المخرج يسعى جاهداً لإيجاد ملامح إخراجيّة خاصّة به، ويبدو لعين المُتابع أنّه يأخذُ زوايا جديدة بنمطيّة معيّنة، أو ملمحٍ جديدٍ، واحترام لهذه العين، وقد لُوحظ في بعض المشاهد أنّها تتناسبُ ونوّعيّة المُسلّسل البوليسي، الذي يعتمدُ على أفعال التّحقيق، والكشف، والملاحقة، والتّشويق، والجّذب، ولكن يبدو أن التقنيّات المتاحة كانت سبباً في بهتان هذه الأفعال، فلم تصل إلى الهدف الجمالي المنشود بنسبةٍ كبيرة، ولا ندري لماذا تصرُ أعمالنا على عدم تقبّل المعادلة الواضحة وهي: أنّ سخاء الإنتاج مع النصّ الجيّد سيعطي عملاً متفوّقاً، لكنها في نهاية المطاف تجربة تستحق المتابعة، ففيها جهد مبذول ونسبة نجاح، وهي تجربة لمخرج جديد شابّ في الدّراما السّوريّة لم نرَ مثل محاولته منذُ سنواتٍ كثيرة.
نأتي إلى أداء التمثيل، إذ وجدنا أن الشخصيّة المُركّبة التي قام بها الفنان تيم حسن قد جمعت المتناقضات، واستطاع أن يملك أدواتها شكّلاً ومضموناً، فنراهُ يَفْصِل بين الحبّ والشأن المهني بوضوح، ونجده الذّكي، والمحتال، والغامض في لحظات، وصاحب القلب الطيب، والبريء في لحظاتٍ أخرى، وكلّ ذلك من دون خلط أو مزج في البنيان، وهذا ما يدلّ على مهارة خاصّة في الأداء، وخبرة ترسخت بهدوء، وبتقنيّة لا بدّ لنا من الإشادة بها.
من ناحية أخرى شاعَ في الوسط الفنّي وبين الجمهور بأنّ شخصيّة مراد الجوخدار مأخوذٌ من المسلسل الإسباني “بيت من ورق – لا كاسا دي بابيل”، فلّقب “البروفيسور” نفسه للبطل في كلا العملين، ولكن هذا الاتهام منافٍ للحقيقة، وقد شاهدنا المسلسل الإسباني بأجزائه الثلاث، لكن الأقرب أن نقول أن هناك ملامح مع شخصيّة المحقق البلجيكي الشهير “هيرقل بوارو” التي قدّمتها الكاتبة الأمريكيّة “أغاثا كريستي” في رواياتها البوليسيّة، وعملت منها نموذجاً ونمطاً أخذت عنها كثيرٌ من الأفلام السينمائيّة والمسرحيّات، والمسلسلات، كما أن حالة المنافسة المبنيّة في العمل بين مراد ويوسف أيضاً هي بنية نجدها بوضوح في العلاقة بين المحقق “بوارو” وكبير المفتشين “آرثر هستنغر” الذي يثير الاتهامات حوله بتعمّده إخفاء الحقائق التي يصل إليها أثناء سير التحقيقات للكشف عن الجريمة، وهذه البنية من عناصر التشويق التي شكّلت حالة جذب كبيرة في روايات “كريستي”، وكلّ ذلك اختيار ذكي ومدروس بشكل جيد في مسلسل “العميد”.
من ناحية أخرى وجدنا أن جهداً جميلاً قدّمته الفنّانة كاريس بشّار لتكون الممثّلة الذّكيّة في طرح شخصيّة مجارية لشخصيّة البطل، فألبستها الثوب اللطيف والحادّ معاً، فكانت ليلى روائيّة، وأمّ، وزوجة، وذات مسؤوليّة، وعاشقة، وبالتالي شخصيّة ذات تركيب خاصّ، برعت كاريس في طرحها، ولا بدّ من الإشارة لجهود عدد كبير من الممثلين ساهموا في جماليّة العمل، أمثال بديع أبو شقرا الذي حقّق بحضوره تنافساً قويّاً في جانب العمل المتوازي مع شخصيّة البطل الرئيس ونجحَ في ذلك.
في العمل العديد من النقاط التي تُظهر وتبيّن أيضاً حالة الاجتهاد والرغبة في إظهار العمل بطريقةٍ مختلفة، كما لاحظنا ذلك في شارة المسلسل والتي توحي بالتقريريّة التي تتناسب والموضوع المطروح، وكذلك مقدّمة كلّ حلقة، وربط المحتوى للحلقة الواحدة بعنوان أو مقولة، وطريقة ختام كلّ حلقة بلغة التشويق، وسرد القصّة على لسان البطلة في البداية ثم البطل في النهاية، والتلوين المُعتمد الذي ساعد على حالة الاستفسار لدى المتلقي بصورةٍ غير مباشرة، والموسيقى المناسبة من قبل المؤلّف الموسيقي إياد الريماوي التي سبغت مشاهد التحقيق والبحث عن الحقيقة بلغة القلق والخوف والحيرة، وحاذرت إسباغها بلغة النفور وعدم الرغبة في المتابعة، وهنا يضاف إلى العمل نقطة أخرى من نقاط الجذب، وكلّ ذلك يدلُّ على الاهتمام والتّذوّق الجيّد، لكن هناك نقطة لا بدّ من التحدّث عنها ختاماً، وهي فكرة الأطفال وتهريبهم خارج المخيم، والمصير المجهول لهؤلاء الذين هم بشكلٍ أو بآخر المستقبل! فإسقاط هذه الناحية على الواقع هو إسقاط مهمّ بل غاية في الأهميّة، لا سيّما وأن الكثير من أطفال ومراهقين وشباب ذهبوا في متاهاتٍ مُظلمة، عبر ما يزيد عن عشر سنوات مُرّة عانت منها البلد، وهنا يمكن القول بأنّ مسلسل “العميد” حمل في مضمونه رسالة فيها طرحٌ لسؤال مهمّ، بل مجموعة من الأسئلة المُهمّة، والتي تصبُّ في خانة: كيف يمكن لمُّ هذا الضياع؟ وكيف يمكن إعادة ما هدمته الحرب؟ وكيف يمكن إصلاح ما شوهته نفسيّاً واجتماعياً وأخلاقيّاً وعلى كافة الأصعدة؟
هي جملة أسئلة نحتاج الإجابة عليها، ومن الممكن أن الفترات الزّمانيّة القادمة هي من سيحمل الإجابة عليها، لكنها قادمة ولو على مراحل، ومن باب التأكيد والحرص على الدّراما السوريّة ، نقول بأنه ما زلنا ندور في فلك التساؤل الذي طرحناه في البداية؛ فهل سنتمكن من التمييز بين كتابة سيناريو درامي لمنصة إلكترونية وبين الكتابة لمسلسلٍ تلفزيوني؟ وختاماً نقول أيضاً: لماذا لا نؤلف ونُخرج شخصيّة جديدة، ولا نستنسخ بما أنه لدينا المقدرة على ذلك؟!