اسرار وكواليس

أسرار وديع الصافي: رحلة الفن والوطن

إرث أسطورة الطرب في خدمة الوطن والفن

وديع الصافي، أيقونة الطرب اللبناني، لم يكن مجرد صوت بل روحًا تحمل هموم وآمال شعب لبنان. رحل عنا في 11 أكتوبر 2013، لكنه ترك إرثًا فنيًا يعكس نقاء الجبال ودفء الوديان. في هذا التقرير الحصري، نكشف عن أسرار الصافي، رؤيته للفن كأداة للوحدة الوطنية، دعوته للفنانين لخدمة بلدهم، وإيمانه العميق بأن الأغنية اللبنانية هي مرآة الشعب.

صوت الشعب من نيحا إلى العالم
ولد وديع فرنسيس عام 1921 في قرية نيحا الشوف، حيث بدأ مشواره الفني وهو طفل يغني في الأعراس المحلية. صوته النادر جعله رائدًا للأغنية اللبنانية منذ الأربعينيات، حيث أسس مدرسة فنية تمزج الشعر الشعبي بالموسيقى التقليدية. أغانيه مثل “عندي الصباح” و”طل القمر” لم تكن مجرد ألحان، بل قصصًا تحكي فرح وألم اللبنانيين. كان الصافي يرى أن الفن ليس ترفيهًا، بل رسالة لتوحيد الناس وإحياء الروح الوطنية.

دعوة للوحدة والإعمار
في خضم الأزمات التي عصفت بلبنان، دعا الصافي إلى تضامن اللبنانيين عبر أغانٍ تحمل رسائل وحدة. أغنيته “العصفور”، من كلمات بيار روفايل، كانت نشيدًا للجيش اللبناني، رمز الأمن والاستقرار. كما قدم أغنية “بتحبني وشفقت بالبكي” لتعبر عن أوجاع الشعب وصموده. كان الصافي يؤمن أن الفنان يجب أن يكون جنديًا في خدمة وطنه، يستلهم من لبنان في إبداعه ويعمل على إعادة بناء ما تهدم. في إحدى تصريحاته، قال: “الفنان الحقيقي يضع بلده نصب عينيه، خصوصًا في اللحظات المصيرية.”

موقفه من “المرتزقة” في الفن
لم يكن الصافي يهادن في نقده لمن أسماهم “المرتزقة” – الفنانين الذين يستغلون الموسيقى لأغراض تجارية بعيدة عن الرسالة الفنية. دعا إلى طرد هؤلاء من الساحة الفنية وإنشاء معهد لتعليم الغناء والموسيقى لحماية التراث اللبناني. كان يرى أن الأغنية اللبنانية يجب أن تتطور بالاهتمام بالشعر والموسيقى والأصوات النقية، بعيدًا عن التقليد الأعمى للغرب أو التفريط بالهوية.

إعجابه بزملائه ودعمه للشباب
كان الصافي يحترم زملاءه في الساحة الفنية، واصفًا فيروز بأنها “توأم لا يتجزأ” مع الأخوين رحباني، ومشيدًا بصباح كـ”سيدة الموال والعتابا”، وبملحم بركات لروحه التلحينية، وبماجدة الرومي لأصالتها البيروتية. لكنه حث المطربين الشباب على حب الوطن والابتعاد عن التأثيرات الدخيلة، مؤكدًا أن الفنان الذي لا يخدم بلده لا يستحق الحياة الفنية.

رؤية لإحياء الأغنية اللبنانية
حلم الصافي بمشروع فني عالمي ينقل الأغنية اللبنانية إلى كل بقاع الأرض، اقترح إرسال فنانين مثل فيروز والرحباني إلى أمريكا وصباح إلى أفريقيا لتعريف العالم بجمال الفن اللبناني. كما دعا إلى مشروع وطني يحتضن المبدعين ويعزز دورهم في بناء لبنان المستقبل. كان يؤمن أن اللبنانيين، رغم اختلافاتهم، يملكون قلوبًا بيضاء تجمعهم الحياة المشتركة القائمة على التفاهم والمحبة.

إرث خالد
وديع الصافي لم يكن مجرد مطرب، بل كان ضمير لبنان الفني. أغانيه التي تحمل عبق الجبال ونقاء الوديان لا تزال تذكرنا بقوة الفن في توحيد الناس. رحل جسدًا، لكنه يعيش في كل نغمة تحمل اسم لبنان، تاركًا رسالة خالدة: “لبنان سيبقى لبنان، نشيد الحب والحنان والبطولة.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى