إسرار حفل أم كلثوم في مهرجان بعلبك 1968: ليلة ساحرة في قلعة الطرب

في مساء الجمعة من صيف 1968، أحيت السيدة أم كلثوم، كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي، حفلتها الثانية والأخيرة في قلعة بعلبك ضمن مهرجان بعلبك الدولي. هذه الأمسية، إلى جانب حفلتها الأولى، شكلت حدثًا فنيًا استثنائيًا، حاز على اهتمام إعلامي واسع في ذلك الوقت، مما عكس مكانتها كرمز ثقافي يجمع الشعوب العربية. في هذا التقرير، نستعيد تفاصيل هذا الحفل، مع التركيز على الضجة الإعلامية وأجرها الكبير الذي يضاهي كبار الفنانين عالميًا.
استقبال حافل في بيروت
عند وصول أم كلثوم إلى مطار بيروت، استقبلتها الجماهير بحفاوة رسمية وشعبية هائلة، مما يعكس الإعجاب الكبير بها كمطربة الشرق الأولى. كانت هذه زيارتها الثانية إلى لبنان، وهو ما يبرز المكانة الموقرة التي تحتلها في قلوب الشعب اللبناني. هذا الاستقبال الحار، الذي تناقلته وسائل الإعلام آنذاك، أظهر أن صوتها الساحر الدائم الحيوية لا يزال يأسر الجماهير.
ليلة الطرب في بعلبك: حدث إعلامي بامتياز
أقيمت الحفلتان في قلعة بعلبك، الصرح الأثري الصامد في وجه التاريخ، حيث أحيت أم كلثوم حفلتها الأولى قبل الجمعة، تلتها الحفلة الثانية والأخيرة مساء الجمعة. كان من المقرر أن تحيي حفلة أخرى يوم الأحد، مما يعكس الإقبال الجماهيري الهائل الذي لفت أنظار الإعلام. أداؤها، الذي يرفض التيارات الغنائية المبتذلة، ألهب مشاعر الجمهور اللبناني وجميع الشعوب العربية على اختلاف ميولها ومعتقداتها، وحاز على تغطية إعلامية واسعة في الصحف العربية والعالمية.
صوت أم كلثوم، الموصوف بالمعجزة، كان ثروة مادية وقوة معنوية بلا حدود. هذا دفع كاتبًا أوروبيًا، كما تناقلت الصحف، للقول: “ما عجز العرب عن إنجازه في الحقل السياسي، استطاعت أم كلثوم إنجازه في الحقل الفني”. الاهتمام الإعلامي الكبير الذي حظي به الحفل عزز من شهرتها العالمية، خاصة بعد أدائها المبهر في مسرح الأولمبيا بباريس، والذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية.
أجر يضاهي كبار الفنانين العالميين
بلغ أجر أم كلثوم عن الحفلتين في بعلبك 135 ألف ليرة لبنانية، وهو مبلغ يساوي أجور كبار الفنانين والفنانات في العالم، كما أشارت التغطية الإعلامية في ذلك الوقت. هذا الأجر الكبير يعكس قيمتها الفنية الهائلة، مما جعلها واحدة من أعظم فنانات القرن العشرين، وأثار إعجاب وسائل الإعلام التي ركزت على هذا الجانب كدليل على مكانتها العالمية.
لمسات إنسانية من سيدة الغناء
أضافت أم كلثوم لمسات إنسانية خلال زيارتها، والتي لفتت أنظار الإعلام:
-
حبها للبنان: صرحت في بيروت أن حبها وتقديرها للبنان وشعبه قوي جدًا، ويعود إلى زمن بعيد، وهو تصريح تناقلته الصحف ليضفي طابعًا عاطفيًا على الحدث.
-
حبها لأغانيها: عندما سُئلت عن أحب أغانيها، أجابت أن كل أغانيها حبيبة على قلبها، لأنها لا تغني إلا ما تختاره بعناية، وهي إجابة أبرزتها وسائل الإعلام كدليل على شغفها الفني.
صوت لا يشيخ
رغم بلوغها السبعين من عمرها، أذهلت أم كلثوم الجميع بقدرتها على الغناء لأكثر من خمس ساعات متواصلة في كل حفلة، وسط تشجيع متزايد من الحاضرين. صوتها، الذي وُصف بـ”الساحر الدائم الشباب”، ظل محصنًا ضد الشيخوخة، مما جعلها تتفوق على كبار الفنانين والفنانات عالميًا. هذا الأداء المذهل حظي بتغطية إعلامية مكثفة، أشادت بقدرتها الفائقة وحيوية صوتها.
جولة فنية عابرة للحدود
جاءت زيارة أم كلثوم إلى لبنان ضمن سلسلة حفلات أحيتها في تونس، المغرب، الكويت، الإسكندرية، دمنهور، المنصورة، وباريس، وكانت تخطط لإحياء حفلات في السودان، العراق، ليبيا، وغيرها. هذه الجولة العالمية، التي تناقلتها وسائل الإعلام، أكدت أن صوتها لا يحتاج إلى جواز سفر ليجتاز المسافات الشاسعة، سواء في العالم العربي أو عالميًا.
خاتمة: حدث فني هزّ الإعلام
حفلات أم كلثوم في مهرجان بعلبك عام 1968 كانت لحظات تاريخية حازت على اهتمام إعلامي غير مسبوق، جمعت الشعوب العربية تحت راية الطرب الأصيل. من استقبال بيروت الحار إلى أدائها الساحر في بعلبك، أثبتت أم كلثوم أن الفن لا يعترف بالحدود. أجرها الكبير، الذي يساوي أجور كبار الفنانين العالميين، وصوتها الخالد، جعلا هذا الحفل حديث الصحف، تاركًا إرثًا فنيًا يتردد صداه في وجدان عشاق الطرب.