اخبار الفنكتب جمال فيَاض

السلطنة … منتهى السلطنه مع سميّه بعلبكي!

كتب جمال فياض

أكرمتنا وأسعدتنا وأفرحتنا ودعتنا الفنانة القديرة سميّه بعلبكي، وأحيت لنا حفلاً غنائياً في “صالة السفراء” في كازينو لبنان مع الفرفة الموسيقية السيمفونية بقيادة المايسترو الفنان هاروت فازيليان… ونحن لبّينا الدعوة بسعادة وفرح وشوق لسهرة طرب وسلطنة، إشتقنا إليها من زمان.
عند باب الكازينو،كان الزحام كبيراً، ولم يكن الجمهور عادياً أبداً. كانت نخبة سمّيعة من النوع المعتبر، أصحاب الذوق المرهف، أصحاب الأذن السمّيعة، نخبة الفنانين وهواة الطرب وجيل الزمن الجميل… كلهم أتوا الى حيث الأناقة والشياكة والصوت والذوق والثقة والقدرة على إعادتنا الى زمن قلنا عنه ولّى، وما زالت آثاره في الذاكرة والمشاعر.
بدون مقدّمات دخلت سمية في صلب الموضوع وأتحفتنا بأغنية “ألف ليلة وليلة” إحدى روائع بليغ حمدي ومرسي جميل عزيز للسيدة أم كلثوم. كان يكفي أن نرى المايسترو كيف يعيش الموسيقى لنعرف أننا دخلنا صلب الموضوع من أول نغمة. وأسرتنا سمية، وأمسكتنا من حيث يخفق القلب وراحت تجرّنا معها الى العالم الجميل.
ثم انتقلت الى محمد الموجي ومرسي جميل عزيز وأغنيتهما للسيدة وردة، و”أكدب عليك” وسمعناها كما لم نسمعها من قبل… سميّة تمنح الأغنية شخصيتها وتعيشها بإحساس خاص، فتمتعنا وتسحرنا، لنستزيد منها، فتنتقل بنا الى عالم السيدة ليلى مراد، فتفرفح الجو بأغنية من روائع محمد عبد الوهاب وحسين السيّد. وتعود بنا سميّة بالزمن والصوت الى حالة حنين خاصة، نراها في عيون سيدات حضرن ومعهن الكثير من هذا النوع من الحنين… واستطاعت سمية أن تأخذنا بأناقة الأداء وجمال الإحساس وصفاء الصوت الى تلك البهجة الكامنة في قعر النفوس ولم تخرج من زمان…
وراحت سمية تأخذنا معها الى عالم أسمهان وفيروز وزكي ناصيف، حتى كدنا لا نعرف ماذا نختار؟ دمعة شوق وحنين نذرفها؟ أم ضحكة وفرحة نطلقها؟ حيّرتنا هذه الجميلة الصوت والإحساس والشكل، الى أن حسمت لنا القرار .. فانطلقت تغني لنا “ع الضيعه يمّا ع الضيعه، وديني وبلا هالبيعه” هذه الرائعة الشعبية للصبوحة التي كتبها توفيق بركات باللبناني ولحنها محمد عبد الوهاب ، والتي بيّنت فيها سميّة كل جمالها، فأقامت معها الصالة تصفق وتغني وتطرب وكأن الحلا والهضامة والسعادة اجتمعوا معاً وأتوا الينا حاملين ضحكة الصبوحة وجمالها وتفاؤلها … سميّة بعلبكي تبهر بقدرتها على تقمّص شخصية كل أغنية بخصوصية نادرة.
لم تكن هذه السهرة، سهرة غناء وطرب، كانت سهرة سلطنة وحنين وإحساس، مع صوت قدير مطواع جميل، يعرف جيداً معايير الغناء المضبوطة، ليس فقط على الإيقاع، بل أيضاً على مقاييس الجوابات والقرارات. بلا مبالغات، ولا استعراضات، ولا فزلكات وتصرفات بالأغاني الأصلية، بل هو احترام الأستاذة للأساتذة. لم تتصرّف سميّة بالأداء بأكثر مما قدّم أصحاب الأغاني، وهي التزمت بقدسية الأصل وهذه نقطة هامة جداً لا يلتزم بها إلا الكبار.
سميّة بعلبكي، أستاذة وفي كل مكان نسمعها فيه، تؤكد أنها أستاذة وتستحق كل تقدير واحترام ، وشكر على أنها ما زالت تحترمنا في كل ما تقدمه لنا …
مع سميّة بعلبكي، كانت سهرة سلطنة … منتهى السلطنة!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى