اخبار الفنكتب جمال فيَاض

القصيدة الضائعة بين فريد الأطرش وأنور سلمان وعبد الجليل وهبي

كتب جمال فياض

نسمع كثيراً، عن قصيدة غنّاها فنان أو فنانة من الكبار، نسَبَها شخص لنفسه، وهي بالحقيقة والحق لشاعر آخر. ومسألة شراء الشعر، أمر نحكي عنه كثيراً في مجالسنا، كصحفيين وكنقّاد وكـ “سمّيعة” أيضاً. ونتهامس أحياناً، ونتصارح أحياناً، بما نملكه من معلومات دامغة، حول هذه القصيدة، وذاك اللحن. قالوا كثيراً، أن محمد عبد الوهاب إستعار واقتبس وسطى على ألحان من غيره من الملحنين الشبّان في زمنه. وسمعنا أيضاً، أن الشاعر نزار قباني كتب الكثير من الشعر، وأعطاه لغيره لينسبه هذا الغير لنفسه. وأن أم كلثوم غنّت بعض القصائد، لمن وضع إسمه عليها دون أن يكون كاتبها. لكن حديثنا اليوم، عن قصيدة للموسيقار فريد الأطرش غناها إثر حرب حزيران 67 التي سميناها في حينه “النكسة”. يومها، كانت الحرب مؤلمة، تعرّضنا كعرب الى هزيمة نكراء، بسبب الإهمال، وسوء التحضير للمعركة، وربما لبعض الخيانات، والتراخي، واللامبالاة. وكانت النتيجة، هزيمة نكراء، ما زالت آثارها تلقي بظلالها علينا حتى اليوم. يومها، تحمّس الشعراء والملحنون والمغنّون ليقدموا شيئاً ربما يخفف الإحتقان الذي عانوا منه، وهم يشاهدون الحلم بالنصر وتحرير القدس، ينكسر أمامهم بهذه القسوة. إنبرى من بين الذين انبروا، الموسيقار فريد الأطرش. تناول قصيدة من الشاعر الغنائي اللبناني عبد الجليل وهبي(رحل عام 2005)، ولحنها خلال ساعات، وسجلها في بيروت وأطلقها صرخة مدوّية عبر أثير الإذاعات العربية. “شعبنا يوم الفداء، فعله يسبق قوله، لا تقل ضاع الرجاء، إن للباطل جولة..”. القصيدة حملت إسم “نشيد الفداء”، والبعض قال “إن للباطل جولة”. سمعناها، وظللنا نسمعها في كل مناسباتنا الوطنية، منذ عام 1967 حتى اليوم، ومروراً بالعام 1973 وحرب أو نصر أكتوبر، كان صوت فريد الأطرش يلعلع بها. تنشدها المجموعات والجيوش. فجأة، يطلّ علينا اليوم من يقول أن هذه القصيدة، ليست من نظم شاعرها عبد الجليل وهبي! بل هي من شعر الشاعر اللبناني أنور سلمان (رحل منذ أقلّ من عام واحد). وعبد الجليل وهبي، كتب عشرات الأغاني لفريد الأطرش وصباح ووديع الصافي وفهد بلان ووردة وفايزه أحمد وغيرهم. فهو كاتب أغنية “إشتقتلك” لفريد، و”بترحلك مشوار قلتلا يا ريت”، و”جنات عا مدّ النظر” لوديع الصافي، وكتب لفايزه أحمد “بنتي قموره، أحلى من الصوره”. وكثير من أغاني المشاهير. أما الشاعر أنور سلمان، فهو شاعر قدير غنى له مطربون من الصف الأول مثل ماجده الرومي(عيناك ليال صيفية) ووائل كفوري(الحب فنون والفن جنون) وغيرهما. وهو توفي منذ بضعة أشهر بحادث صدم مؤسف بينما كان يعبر الطريق في أحد شوارع بيروت. بعد رحيله، بدأ محبّوه ومريدوه يردّدون أن قصيدة “نشيد الفداء” من نظمه هو، وليست من نظم عبد الجليل وهبي. خبر صادم ومفاجيء. لماذا إذاً لم يُعلنها في حياته؟ ولماذا تعلنونها اليوم بعد شهور على رحيله؟ يجيبني إبنه نشأت، وهو المؤلف الموسيقي الكبير الذي يعيش في سويسرا، “لأن الوالد لم يكن يحب أن يعلنها في حياته. وهو كان يعتبرها أمراً لا يجب العودة إليه”. ثم يضيف، وهنا الكلام الهام، “أن والدي كان شريك الشاعر عبد الجليل وهبي في شركة إنتاج أسّساها معاً لإنتاج البرامج الإذاعية”. ورغم فارق السن بينهما، فهو كان شريك الشاعر الكبير الذي رحل عن عمر تجاوز الثمانين. هو المعروف بأنه كتب أغنية “الهوى هوايا” ليلحّنها بليغ حمدي، لكن بليغ لم يعجبه منها سوى مطلعها. فأخذه الى الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي ليعيد أو يكمل كتابتها أغنية لعبد الحليم ويضمّها الى فيلمه “أبي فوق الشجرة” عام (1969). فقد كتب عبد الجليل وهبي ” الهوى هوايا، أبنيلك قصر عالي وأحميكِ من الليالي، وأشوف منك عيالي، شبان وصبايا….”. يقول نشأت أنور سلمان، أحتفظ بالقصيدة مكتوبة بخط يد والدي، وجدتها بين مقتنياته. وعندي صورة له مع الراحل بليغ حمدي في أحد مقاهي مدينة عاليه السياحية في لبنان. وهما كانت بينهما صداقة. وقد كتب بليغ بخط يده على قفا الصورة إهداء للوالد، يدلّ على صداقتهما. وأهدانا نشأت الصورة، والقصيدة (حصرياً لزهرة الخليج). وماذا بعد؟ هنا نقف بلا جواب! لماذا سينسخ أنور سلمان قصيدة لشاعر غيره بخط يديه؟ وكيف يلتقي بصورة قديمة مع الملحن بليغ حمدي، الذي كانت بينه وبين عبد الجليل وهبي صداقة، كادت تتحوّل الى أغنية مشتركة لعبد الحليم حافظ؟ ألف سؤال وسؤال، وتبقى الحقيقة برسم التاريخ!

(عن مجلة زهرة الخليج)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى