الكلام الهابط في الأغاني… من أم كلثوم والمهديه، حتى ساره الزكريا …

كتب جمال فياض
في السنوات الأخيرة تصاعد الجدل حول ما يُعرف بـ”الكلام الهابط” في الأغاني، حيث اتخذت النقابات الفنية في أكثر من بلد عربي قرارات صارمة بمنع بعض الفنانين من الغناء أو الظهور على المسارح والشاشات، بحجة أن كلماتهم لا تليق بالذوق العام. ومن أبرز الأمثلة المطربة سارة زكريا، التي أوقفت عن الغناء في مصر منذ سنوات بعد أن قالت لجمهورها في إحدى الحفلات عبارة “شكلكم مبرشمين”، فاعتبر نقيب الفنانين أن هذه الكلمة مسيئة وغير مناسبة، فأصدر قرارًا بمنعها من الغناء، وما زال هذا القرار ساريًا حتى اليوم. المثير أن الكلمة مرّت بشكل عابر ولم تكن جزءًا من نص غنائي، ومع ذلك اعتُبرت جريمة تستحق المنع.
ولو عدنا بالذاكرة إلى بدايات القرن العشرين، لوجدنا أن الأغنية المصرية لم تكن بعيدة عن استخدام تعبيرات قد تُصدم المستمع المعاصر. فالمطربة منيرة المهدية غنّت في بدايات القرن الماضي أغنية بعنوان “بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة”، وقد طُبعت آنذاك على أسطوانات واعتُبرت أمرًا طبيعيًا في زمنها. لم تُمنع الأغنية، ولم يُحاكم صاحبها أو مطربتها، بل كانت تعكس روح المجتمع ونظرته المنفتحة للفن.
وجاء في كلماتها التي لحنها محمد القصبجي :
بعد العشا
يحلا الهزار و الفرفشه
يا حلو فاكر وادى القمر
زعلت من غير سبب
انسا اللى فات و تعالا بات
مستنظراك ليلة التلات
بعد العشا
تلقا الحكايه موضبه
بإيدى آيده الكهربا
و اقعد معاك علا هواك ولافيش هناك غيرنا
و بلاش كتر الخشا
اوعا تسهينا بقا
و احنا ف عز النغنغه
و تمد إيد و هزار يزيد عارفاك اكيد
ايدك تحب الزغزغه…
أم كلثوم بنفسها غنّت :
الخلاعة والدلاعة مذهبي..
من زمان أهوى صفاها والنبي..
لما يخطر حبى عندى بمشيته..
تلقى قلبى له يميل من فرحته”
لكن أم كلثوم سارعت بجمع اسطوانات الأغنية من الأسواق ودفعت تعويضاً لشركة الإنتاج… وعدّلت الكلمات وأطلقتها بشكل مختلف…
ايليا بيضا قال في أغنيته “يا ريتني طير لطير حواليك” من ألحان يحي اللبابيدي عام ١٩٣٣ ، الكلام التالي:
“يا ريتني سنيوره عندك،
لما تنيمني بنام حدك،
وبنيّم خدّي على خدّك”.
وفي مقطع آخر يقول:
“يا ريتني علكه تعلكني،
وتشد عليي وتفركني،
وما بين سنانك تزركني”.
وفي مكان آخر يقول :”يا ريتني فرشه لضمّك،
وبحنّ عليك متل أمّك،
وما بخللي مطرح لشمّك”
ثم يختم قائلاً :”يا ريتني نحله تِسلـَم ليك،
لغطّ ع تمّك واستحليك،
وبمصمص ريقك على مهلي…
لكن يا ريت”
وعاد فريد الأطرش ليعدّل كلماتها ويغنيها ويحقق نجاحه الأول والكبير…
هذه النصوص الغنائية تكشف أن ما يُعتبر اليوم مسيئًا ربما كان طبيعيًا ومقبولًا قبل قرن. وما كان مسموحًا في زمن الأسطوانة أصبح اليوم محظورًا تحت شعار الحفاظ على الذوق العام. مع أن الواقع يُظهر أن الجمهور يسمع على المسارح وفي الحفلات كلمات أقسى وأجرأ بكثير مما قيل، سواء في مصر أو لبنان أو أي بلد آخر، ولا أحد يلتفت إليها. لكن حين تلتقط كلمة عابرة من فنانة بعينها، تتحول إلى قضية رأي عام وذريعة للعقاب، وكأنها جريمة لا تُغتفر، في حين أنها لو مرّت بلا ضجة لما انتبه إليها أحد.
ليس هذا دفاعًا مطلقًا عن كل كلمة تقال، فلكل مجتمع حدوده وللنقابات دورها. لكن العدالة تقتضي التدرّج في الردود والانسجام بين الإجراء والخطأ الفعلي، لا أن يصبح المنع آلية تلقائية تُطبّق على عبارة عابرة بينما تُغضّ الأعين عن ألفاظ أشدَّ وأوضح ضررًا. حينها تتحول المعاقبة إلى مسألة انتقائية تُولّد استياء الجمهور وتُضعف مصداقية من يحمون “الذوق العام”.
إلا إذا كانت الأسباب الحقيقية غير معلنة… وأنا لا أبرّئ أحدًا. فـ”سوء الظن من حسن الفطن”،
مش كده يا فطين؟