اخبار الفنحفلات ومناسباترأيمشاهير

خاص – “المشرق العربي” يرفع راية الجمال الفني بوجه السطحية والاستهلاك

حسن شرف الدين

في زمنٍ يشهد تراجعًا كبيرًا في مستوى الإنتاجات الفنية، وانتشارًا واسعًا للأعمال السطحية والمبتذلة، أطلّ كورال “المشرق العربي” كحالة استثنائية تُعيد الأمل إلى الساحة الفنية اللبنانية والعربية، وتؤكّد أن الفن الأصيل ما زال حاضرًا بقوة، رغم كل التحديات.

فبقيادة الموسيقار المخضرم إبراهيم البمباشي، اكتسب العرض طابعًا احترافيًا يليق بعراقة الموشحات الشرقية. وقدّم أكثر من 30 فنانًا وفنانة أجمل ما لديهم من أصوات، بأسلوب متقن وحضور واثق على مسرح الجامعة اليسوعية اللبنانية. ما ميّز الأمسية حقًا أن الكورال لم يكتفِ بأداء الموشحات التقليدية، بل قدّم أعمالًا من كلمات وألحان وتوزيع أعضائه أنفسهم، في مشهد يفيض بالإبداع والجرأة. على مدى ساعتين كاملتين، أزالوا “الشوائب السمعية” وملأوا القاعة بموشحات دينية، اجتماعية، وفنية فيروزية، فجعلوا الحضور يعيش لحظات استثنائية من الجمال والسمو الفني.

وكان اللافت في هذه الأمسية المميزة المفاجأة التي تحدّث عنها البمباشي قبل الحفل ووعد بأنها ستكون «استثنائية»، مؤكدًا على جمالها بكل ثقة. ولم يخذل جمهوره؛ فبعد ساعة تقريبًا من بدء الحفل، حان موعد المفاجأة، حيث قدّم الكورال فقرة غنائية مبهجة، معلنًا استعداده لإحياء الأعراس أيضًا. ارتسمت الدهشة على وجوه الجميع: “أعراس بالموشحات؟!”.. إلا أن المفاجأة كانت أنهم قدّموا أغنيات أعراس بفرح وبهجة، لكن بأسلوب محترم وأصيل، وضمن حدود الذوق الرفيع. امتلأت القاعة بالفرح، وتفاعل الجمهور بالرقص والغناء، حتى علّق الممثل خالد السيد، الذي كان حاضرًا: “شوقتني إرجع إتزوج!”.

وبحديث خاص لموقع “أضواء المدينة”، مع الشاعر اللبناني نزار فرنسيس، عبر عن إعجابه الكبير بأداء كورال “المشرق العربي”، مؤكّدًا أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي يتابع فيها عروضهم، بل أنه حريص دائمًا على حضور حفلاتهم والاستمتاع بما يقدّمونه من فن راقٍ وأداء متميّز، مشدداً على أنّ هذه المجموعة تمثّل نموذجًا للفنان الحقيقي الذي يحبّ الجمال ويقدّر العمق الإنساني والروحي في الفن، بعيدًا عن السطحية والعروض الاستهلاكية. وأضاف أنّ هذه الأنشطة تمثّل نبض الحياة في لبنان، وتُجسّد حيويته وتواصله، مؤكّدًا أنّ لبنان لا يغيب عن قلبه أبدًا، وكاشفًا عن أعمال مرتقبة له مع كل من ملحم زين وعاصي الحلاني.

من جانبه، وجّه نقيب الفنانين في لبنان، فريد أبو سعيد، تحية تقدير لهذا النوع من الكورالات التي ترفع من قيمة الذوق الفني العام وتحافظ على التراث الموسيقي الأصيل، في وقتٍ أصبحت فيه معظم الحفلات تفتقر إلى الرسالة الفنية وتعتمد على الأجواء السطحية والمشروبات، ما يُسيء إلى صورة الفن. وأكّد أنّ هذا الانحدار لا يقتصر على لبنان، بل ينسحب على الساحة الفنية العربية، وخصوصًا في مصر، حيث يشهد المشهد الغنائي تراجعًا مقارنة بما كان عليه في الماضي من حيث القيمة والمستوى. وأشاد أبو سعيد بالكورالات المنتسبة إلى النقابة، ومنها كورال الأستاذ إبراهيم الباشا، وكورال مؤسسات الصدر، وغيرها، داعيًا إلى دعمها وتشجيعها على الانفتاح نحو الأغنية الوطنية والتراثية، خصوصًا الفيروزيات والموشحات التي تحمل قيمة فنية وتاريخية عالية.

كما جدد دعوته إلى إنشاء لجنة رقابية مشتركة تضم وزارة الإعلام ووزارة الثقافة ونقابة الفنانين، تكون مهمتها مراجعة الأعمال الغنائية قبل إصدارها، للحفاظ على الذوق العام ومنع الانحدار المتزايد. واعتبر أنّ المشكلة ليست في الألحان فقط، بل في الكلمات الهابطة والمحتوى الفارغ، خصوصًا ما يُعرف بـ”الرديّات”، مشدّدًا على ضرورة التمييز بين الفن الشعبي الأصيل وما يُقدَّم اليوم من تشويه لهذا الفن.

بدوره، عبّر نقيب الممثلين في لبنان، نعمة بدوي، عن إعجابه العميق بالأمسية التي قدّمها كورال “المشرق العربي”، واصفًا إياها بأنها لحظة فنية مميزة وسط موجة من “الانحطاط الذوقي” الذي يضرب الساحة الفنية. واعتبر أن حضور مثل هذه الأمسيات واجب ودعم معنوي للفنانين الحقيقيين الذين يحملون همّ الارتقاء بالذوق العام، مشيرًا إلى أن ما يقدّمه هذا الكورال من تناغم وإحساس عالٍ في أداء الموشّحات هو مصدر سعادة وأمل، خصوصًا حين نرى شبابًا وصبايا يملكون هذا الشغف بالفن الراقي. وختم بدوي بالقول إن الفن الأصيل ما زال حاضرًا، ومثل هذه المبادرات تؤكّد أن لبنان، رغم كل الظروف، لا يزال ينبض بالجمال والإبداع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى