ثقافة

طمّيمة … أقرب إلى سهرة تلفزيونيّة من العرض المسرحي الناضج

عامر فؤاد عامر – دمشق

“كم مرّة هزمتنا الخيانة من دون قتال” مقولة للمسرحي “سعد الله ونوس” جسّدها عرض “طمّيمة” ذي الوقع الخاصّ بين عديدٍ من العروض كَشفت أقنعتها على خشبة “القباني” في السنوات الأخيرة، وما لاحظناه هو ردود الفعل المتباينة بين الاهتمام، والعتب، والتقدير، واللوم، ولربما التنوّع جاء من ماهيّة القيمة التي خدمها العرض، والطابع الذي يتركه في لاشعور المتلقي نهايةً، ففيه ما يلامس مشاعر من خَبِرَ أجواء الحرب السوريّة وبصورةٍ مباشِرة، سيّما وأن الجرح ما زال ساخناً، لكن هل هذا ما أرادته البنية المكوّنة للعرض من الجمهور؟!
“طمّيمة” عن نصّ لشادي كيوان وإخراج عروة العربي، ودراماتورج كفاح الخوص الذي لعب شخصيّة أحد أبطال العرض مع كرم الشعراني، يزن الخليل، مرح حجاز، ومرح حسن. تابعنا فيه حكاية شباب سوري في خمس نماذج كلّ منها له علاقة بخط خاصّ من جهة، ومشترك مع بعضهم البعض من جهةٍ ثانية، لكن هذه النماذج تتطرّق جانباً شديد الحساسيّة من حياة الشباب، فتعرض لنا الحكاية علاقة عاطفية تتولّد بين شاب محجوز في غرفة متواضعة هرباً من خدّمة العلم، وفتاة غادرها خطيبها إلى ألمانيا لتبقى على شفير أمل انتظارٍ يتناقص، وتحيا ما تحيا من عواطف جارفة، وفجأةً ينقضّ على جوّهم الحميمي شابان آخران، واحد منهما يمثّل شريحة الشبيحة التي تتسلّق وتعتاش على ادعاءات الوطنيّة، والآخر عائد من ألمانيا بعد أن هاجر سوريا هرباً من الظروف المحيطة به، ويسعى هذان لاقحام صديقهم في مصالحة مع خطيبته التي تخلّت عنه منذ ستّة أشهر، في حين هو يخبئ الفتاة – خطيبة صديقه القادم من ألمانيا – في خزانة الغرفة اتقاءً لفضيحة قد تعكر صفو حياته وحياتها إلى الأبد.
يعدّ العرض أقرب إلى سهرة تلفزيونيّة من العرض المسرحي الناضج، فالتشكيل والفرضيّة في حالة الحبّ والانسجام التي عاشها الممثلون سواء الحبيبان أو الأصدقاء أو الخطيبان المنفصلان تميل واقعيّاً إلى لغة بوح وهمس، وقد يكون هذا ما دفع بالحلّ الإخراجي الميل نحو ارتفاع نبرة الصوت لدى الممثل، بهدف إسماع الجمهور لهذا البوح.
نجد لذلك اهتماماً بارزاً في التفاصيل وتعددها أثناء الحوار والتنقل من فكرة لأخرى وفي الشكل- جاء حلّ الكوميديا السوداء مناسباً لها – ومن الواضح أن هذه التفاصيل تثير انتباه المتلقي الحالي فـ”طميمة” مربوط بوقتيّة زمنيّة يعيشها متلقي اليوم، واعتقد أن متلقي الغد لن تثير اهتمامه كثيراً! لسبب ما أسلفت به أعلاه ولسبب آخر هو ما يدور في فلك محليّة العرض والإغراق فيها، وارتباطه بالحرب والأزمة كثيراً، ومن جانبٍ آخر لم ينهض العرض بمناقشة عميقة للهموم وأسبابها، وكان من الأجدر أن يوضح قيمة الوطن على مستوى أعمق مما طُرح، خاصّة وأن أجواء العرض مرتبطة بغرفة اشتُغل على تفاصيلها كثيراً- ديكور محمد كامل، وإضاءة محمد سفر – فما تمّ طرحه عن الوطن كان بعيداً عن فكرة أن الوطن مفهوم داخلي حميمي عميق يتفوّق على فكرة الارتباط بالمكان الذي يؤمّن للإنسان ظروف عيشه.
هذا ما يقود أكثر لفكرة مكانة الأنثى في العرض، والتي كانت للاتكاء أكثر منها للمحوريّة، ومن الأفضل لو كان لها الحضور المناسب لا سيّما وأن العرض يوحي بأهميّة حضورها ووقعها، لكن وعلى ما يبدو أن فكرة ليلى والذئاب التي كرّسها العرض كانت غلّابة أكثر، وتمّ تكريسها انفعاليّاً في الختام سواء باختفاء ليلى أو بأغنية مؤثرة عاطفيّاً من كلمات كفاح الخوص، وألحان حسين عطفة، وأداء عبدالله عطفة، بطريقة جميلة لكنها ليست ضروريّة، ومع ذلك يعدّ “طميمة” محاولة ناجحة خلال فترة زمنيّة قصيرة نسبيّاً وصعبة الظروف، فأن يقدّم شباب اليوم عرضاً يلفت الانتباه، يناقش فيه موضوعاً صعباً كالخيانة هو أمرٌ يحتاج المعرفة والدراية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى