اخبار الفنكتب جمال فيَاض

عندما تغني الماجدة … “أنا … أنا … لا أملك أن أختار ” !

كتب جمال فياض

وقفت ماجدة الرومي هذه المرة على مسرح مختلف، لمهرجان مختلف وقدمت غناءً مختلفاً …
هذه المرة ليست كما سابق المرّات. هذه المرّة الغناء لهدف نبيل وجميل، الغناء لتكريم لغتنا العربية الفصحى، وإعادة التأكيد على أنها الرابط بيننا… وكأنها رسالة أرادت وزارة الثقافة السعودية أن تبعث بها لمن اعتقد أو يعتقد أن العروبة الى زوال… أو هوان. ومن أجمل وأرقى من صوت الماجدة وفكر الماجدة اللبنانية التي ما تراجعت يوماً عن التأكيد، أننا شعب انتماء وملتقى، والعربية تجمعنا، لوحدة تاريخ ومستقبل.
في الغناء بالفصحى، كان الموضوع ولبّ الفكرة، أن يغني الفنان الضيف(وكل الضيوف من الكبار) بالعربية الفصحى. أن يستجمع كل أو أجمل القصائد التي غنّاها، ويقدمها في سهرة واحدة، ولجمهور من نخبة الذواقة والسمّيعة. وهكذا كان !
لكن الأمر مع الماجدة، جاء مختلفاً. وكيف لا تكون ماجدة حليم الرومي مختلفة في كل مكان حضرت فيه؟ فإبنة الموسيقار الكبير الذي ابتكر ولم يكتفِ بتلحين القصائد، لا يمكن إلا أن تكون أمام لحظة أداء الأمانة، على قدرها ومكانتها. فاستعدّت ماجدة الرومي لكل ما يخطر على بال الذين أتوا إليها، يمنّون النفوس بسماع ما قد لن يسمعوه مرة أخرى. إنتخبت ماجدة الرومي أجمل القصائد التي غنتها من شعراء فبدأت من قصيدة “عطر” فؤاد سلمان وهي المعروفة ب “غنّي أحبك أن تغني” ، حتى قصيدة “عيناك ليالٍ صيفية” لأنور سلمان وموسيقى جمال سلامه، مروراً بقصيدة “سلونا” و”لا تغضبي” للأخوين رحباني وألحان حليم الرومي، وقصيدة الناصر “أحتاج إليك ” وعبد الرب إدريس ، والطبيعي ألا تمرّ السهرة دون قصيدة “يا بيروت يا ستّ الدنيا” لنزار قباني وجمال سلامه و”كلمات” لنزار وإحسان المنذر، و”وعدتك ألا أحبك” لنزار وكاظم الساهر ، و”كن صديقي” لسعاد الصبّاح وعبده منذر و”لا تسأل” للصبّاح ومروان خوري.
لكني أقف بانبهار كبير جداً، أمام موقف غنائي بسيط جداً، عندما وصلت ماجدة في قصيدة الناصر الى كلمة “وأنا … أنا ، لا أملك أن أختار …”، حيث كان الإحساس والإنكسار بالأداء بدعة لا توازيها بدع الغناء كلّها.
دفتر الشروط في هذا المهرجان الجميل ، أن تغنّي القصائد. لكن الشروط لا تمرّ على هذه الكبيرة، دون أن تمحّص وتدقّق لتقدّم لجمهورها قصائدها بأفضل الشروط وأجمل شكل.
أكثر من عشر بروڤات مع فرقة من الأساتذة الأساتذة الموسيقيين، بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي، وبين بيروت والرياض، ظلّت الفضاءات تسمع الموسيقى والغناء دون توقّف. الى أن جاء الموعد، وكأنه موعد مع بدء حياة، وانبلاج نور وشموس. فقدمت ماجدة الرومي، ما لم تقدمه من قبل، وما لم نسمعه من قبل. هي فرصة قد لا تتكرّر أن تفجّر فيها غرامها الكبير بغناء القصيد والفصيح بالعربية وهي سيدة لغتها. هي الخبيرة باللغة ومتقنتها ودارستها، والخبيرة بلفظ حروفها، وإشباع مخارجها. هي التي إذا تكلّمت بالفصحى أطربت ، فكيف إذا غنّت. وكأنها نالت أمنية، وحققت حلماً ، فغاصت فيه بشغف عشق اللغة والكلمات والحروف. هو الشغف الذي حرّضها ودفعها لتغنّي بقدرات صوتية ما كنّا لنسمعها لو كانت السهرة عادية. فالغناء الشعبي، له مقال، والغناء بالفصيح له مقام. وهي وضعته في المقام الصحيح، في المكان الصحيح، ومنحته الإحترام الذي يستحق بالشكل الكامل . نحن لم نسمع من ماجدة الرومي في الرياض غناءً فقط، نحن سمعنا أيضاً ترنيماً وصلاة وفعل إيمان، ممزوجاً بموسيقى وألحان. وعن هذا الغناء غرّد أحد المعجبين الخبراء (فارس خاشو) فقال:
“جواب اللّا أي (A5) هذا يعني أن ماجدة الرومي ‬⁩ غنّت نحو 18 نغمة أي أكثر من أوكتافين في هذا الحفل. ⁧‫الماجدة‬⁩ دليل حي على الموهبة المحترفة وأهميّة وأثر المواظبة على تمارين الصّوت، ونيّال ⁧‫بيروت‬⁩ بهذا الصّوت”.
وبالفعل، في مكان ما وصلت ماجدة الى لحظة تجلٍّ بالأداء غير مسبوقة… كان الغناء بحب وفرح وشغف، أكثر منه مجرّد أداء قصيدة ولحن …هذا الأمر كان واضحاً جداً.
وعندما شكرت وزير الثقافة بالإسم، وهي التي عُرف عنها أنها لا تشكر ولا تحيّي الأشخاص بالأسماء، إنما كان تقديراً مضافاً لصاحب هذا الهدف النبيل من تكريم وإحياء القصيدة المغنّاة. ونحن نعرف أن الألحان والغناء باللغة العربية الفصحى يساهم بشكل فعّال وعملي في تقريب الأجيال من اللغة الأم.
مرّة أخرى، تظهر ماجدة الرومي بالمكان والزمان والشكل المناسب، فتترك عطراً .. وهي تغني، ويا الله نحن كم نحبها وهي تغنّي !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى