رأي

في طريق، هكذا هو عابد فهد … كل خطوة لها معنى

بقلم جهاد أبو سعد

أتابعُ مسلسل “طريق”، أتابعهُ لأن فيه عابد فهد، السوريُّ الأسطوريُّ المجنون. الجنون شرطُ الإبداع وكما عرف الراحل ممدوح عدوان الجنون في كتابه “دفاعًا عن الجنون” المجانين يفعلون ما لا نتوقعه. أتابعُ الطريقة التي يمشي بها عابد فهد، يرخي ساقه اليسرى ويشد اليمنى ويُهَبِطُ حوضه قليلًا، يمشي مشية رجل لا يشغل باله شيء. مشية تدلك على مهنة صاحبها، ذلكَ أنَّ تاجر الأغنام يعتادُ المشي في الزريبة ليختار كبشًا أو يتفقد نعجة، يمشي بطريقة غير منضبطة، هذه الطريقة نراها كلما استدار عابد فهد في المسلسل.

يمثل عابد فهد في هذا المسلسل برجليه وركبه وحوضه وعنقه، رجلٌ خال البال رغم انشغاله، يمشي مثل أي رجل لا يعرف شيئًا عن الوجودية والماركسية والواقعية والحداثة والرياضيات، والرجل الذي لا يشغل شيء باله؛ يمشي ويتحدث ويتفاعل وفق درجة وعيه. فهو يُشَبِهُ الأنثى التي تجلس معه وبدأ يتعلق بها في المسلسل الفنانة نادين نسيب نجيم بالعنزة، ولا يجيد تهجئة كلمة vegetarian التي قالتها الأنثى الجميلة لرجل مهنته تربية الأخرفة لذبحها وأكلها.

يمثلُ عابد فهد بصوته، صوت عابد فهد الذي عرفناه حادًا وهو يخطب خطب الحجاج، ثم داكنًا وهو يهددُ بني تغلب حينما قام بدور جساس، واليوم ثمة نموذج جديد يقدمه عابد فهد بدقة تامة وبعد تدريب واضح. يرى خبراء البرمجة العصبية أن 38% من اتصال البشر بالبشر قائم على الصوت، صوت قادم من الطبقة الوسطى وداكن أحيانًا وهذا صوت تستسيغه الأذن ويقبله الآخر، بل إن النطق الداكن للكلمات يعزز شهوة السمع أكثر ويمتاز صاحبه بالهدوء والتروي، لكن عابد فهد يضع بصمته الخاصة ويجعل الصوت سريعًا بنفس تلك المميزات الأمر الذي يأخذنا إلى شخصية رجل لا يعرف الصبر ويختصر التفاصيل دائمًا، ببساطة لأنه بلا خيال وفق وعيه المعرفي المتواضع كتاجر ماشية.

لم يحاول عابد فهد أن يدهشنا بتعابير وجهه مثل أي ممثل محترف يمتلك أدوات عابد فهد المدهشة، حافظ على موسيقى وجهه البصرية. الدهشة خفيفة جدًا لأنه يمثل دور بطيء الفهم ومن لا يفهم الجملة من أول مرة، الغضب قليل جدًا كرجل يمشي باختلال ولا يجيد الردود السريعة أو حتى الانفعال كما حدث عندما عرف أن خطيبته متهمة بتهم جنائية، كذلك الحال حافظ على رتم وجهه وإيقاع انفعالاته حينما خطفوا شقيقه. باختصار لم يفرد عضلات جهازه العصبي. هذا الدوزان لا يقدر عليه إلا عابد فهد الذي يعزف أمامي الآن عزفًا أدائيًا منفردًا يدهشُ السامع ويحيرُ الناظر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى