كتب جمال فيَاضاخبار الفن

قراءة موسيقية لقصيدة نزار قباني “أعطيني وقتاً” بألحان طلال، وصوت ماجد المهندس

طلال، يحوّل البساطة الى موسيقى وإحساس بصوت ماجد المهندس

بقلم د . جمال فيّاض

في قصيدة الشاعر الكبير نزار قباني “أعطيني وقتاً”، يتابع الموسيقار الدكتور طلال إغناء الغناء العربي بأعمال تخرج من الإصطفاف الغنائي الروتيني الذي أفقد الموسيقى العربية هويتها، وحوّلها الى مجرّد إيقاعات مغلّفة بالتكنو كهربائيات. في زمن صارت الأغاني مجرّد جملة موسيقية بسيطة وسهلة، ليس فيها روح ولا إحساس. يتابع الموسيقار طلال إرسال ألحانه المجبولة بالأسس الطربية الأصيلة، فيبسط النغمات، مع الحفاظ على الهوية الشرقية ولا يمسّ بمستوى النغمة وإحساسها.
هذه المرّة، تناول طلال قصيدة من قصائد نزار قباني، فتعامل معها بأسهل من السهولة، لكنه أنتج السهل الممتنع، حيث لا صعوبة في الإستقبال لكن بالكثير من الشجن.
تدخل الموسيقى بإيقاع المقسوم، على نغمة الرست الجميلة، والأكثر شرقية، وأبرز الموزّع الموسيقي خالد عزّ كل الآلات من العود الى كل الوتريات الجميلة من كمنجات وتشيللوهات. بتقديم مختصر يدخل ماجد في الموضوع مباشرة. وبما أنه لا مكان في هذا اللحن لاستعراض القوة الصوتية، إستبدل ماجد المهندس الأمر بإحساس جميل. فجاء يغني بنعومة الذي يتمنى ويطلب وقتاً، بل هو يشعرك أنه يرجو ويتوسّل الوقت… تفسير واضح وجميل لمعاني الكلمات.
ليست المرة الأولى التي يتعامل فيها ملحّن ببساطة وانسيابية جميلة مع قصيدة لنزار قباني. فقد قام بهذا التبسيط الجميل الموسيقار الراحل محمد عبد الوهابفي قصيدة “متى ستعرف كم أهوالك يا أملاً ، أبيع من أجله الدنيا وما فيها…”. فنجاة الصغيرة (غنّت مؤخراً من ألحان الموسيقار طلال أغنية “كل الكلام” ومن كلمات عبد الرحمن الأبنودي) دخلت في الغناء ببساطة جميلة جداً، إرتكز فيها عبد الوهاب على إحساسها أكثر من اهتمامه بتنويع وتصعيب اللحن. مثل هذا التبسيط اللحني، ومثل هذه الإنسيابية، يختاره الملحن الذكي لإبراز إحساس المطرب المغنّي، متى كان الصوت جميلاً وعذباً وفيه إحساس عالٍ مثل صوت ماجد المهندس هنا. وتبرز الشطارة أكثر، عندما يعرف أن الكلمات التي فيها غزل وحب ومشاعر، تحتاج لموسيقى تطريبية جميلة لكن سهلة القبول عند السامع.
في هذه الأغنية – القصيدة، قد يكون التنقّل السلس بين مقامات اللحن هو مكمن القوّة فيه. ففي مكان يتنقّل ببساطة بين البيات ثم الصبا (أعطيني فرصة كي أتهيّأ، كي أتأقلم، كي أتعوّد … )، ليوصلنا الى انتزاع الإعجاب دون عجقة التنويع النغمي، الذي اعتاد بعض الملحنين -كباراً وشباباً – اللجوء إليها، إثباتاً لخبرتهم وشطارتهم. هنا ترك طلال لماجد المهندس، أن يسلطن بعذوبة وإحساس. مستفيداً من منطقة خاصة بصوت ماجد، قلّما اكتشفها الذين لحّنوا له من قبل.
“أعطيني وقتاً” قصيدة جميلة، ليست مباراة في الموسيقى، لكنها إنجاز جميل جداً، إرتكز الملحن أكثر على أنه يقّدم لنا صوت ماجد المهندس بشكل أعذب. هذه قصيدة من شاعر كبير (نزار قباني) لا ننكر حلاوتها، من ملحّن قدير (طلال) يعرف جيداً متى يذهب بعيداً، ومتى يكون ضمن المحيط الفني والقالب اللحني المناسب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى