اخبار الفنكتب جمال فيَاض

كتب جمال فيّاض: كاظم الساهر يا مدرسة … مين منّك يتعلّم؟

كتب جمال فيّاض:

على مسرح كبير جداً، وفي مكان واسع جداً، ومعه فرقة موسيقية كبيرة جداً، وفي بلدة جميلة جداً وبعيدة جداً وجدّاً وجداّ، وقف كاظم الساهر يغنّي قصائد وأغاني إختار كلماتها بعناية، ولحنها بعناية، ونجح بأدائها على مدى سنوات من الجهد والإجتهاد، حتى وصل الى ما هو عليه اليوم. في إهدن، وضمن حفلات “أهدنيات”، غنّى الفنان العراقي كاظم الساهر، والذي صار بالإمكان تسميته “الموسيقار”، وهو اللقب الذي حسب المتعارف عليه في بلادنا، يعني الملحّن والمؤلّف الموسيقي الذي قدّم مئات الألحان الناجحة، وكتب الموسيقى بشكل جعلها بمثابة مؤلفات يتداولها الموسيقيون والمهتمون كمرجعيات للموسيقى، والتنوّع الموسيقي.
ثلاث سهرات متتالية، مساء جمعة وسبت وأحد، وفي كل ليلة جمهور من عدة آلاف من المعجبين والمعجبات المسحورين بكاظم المغنّي والملحن والشاعر، والمبهر بحضوره وشخصيته التي تسيطر كما السحر على الحاضرين. ثلاث حفلات، بل ثلاثة مهرجانات ضخمة، جاء جمهورها من كل المناطق البعيدة والقريبة، ليغنّوا معه وليُسمعوه لا ليَسمعوه فقط. هم غنّوا له أغانيه وأعماله الموسيقية وألحانه الجميلة، التي باتت تشكّل جزءاً هاماً من ذاكرة جيل اليوم والأمس القريب. لم يتكلّم كاظم كثيراً، ولا قال شيئاً غير كلمات أغانيه وقصائده التي لحنها وغناها سواء من نزار قباني أو كريم العراقي أو كل الذين أحبّ شعرهم المليء بالصور والإبداع الشعري.
في “إهدنيات” إكتملت الصورة كما يجب وتماماً كما توقعناها. إستقبال للحاضرين بمنتهى التنظيم واللطف. وبانضباط تام بالموعد، تجهيزات صوت أكثر من ممتازة، وإضاءة وتقنيات ومؤثّرات كاملة المواصفات. وفرقة موسيقية، تكاد تشعرك أنك تستمع لتسجيل في الستوديو. ولولا بعض المقاطعات التي كان يسبّبها الجمهور المنفعل بل المتأثّر والمبهور، تتوقّف الفرقة لتعيد مقطعاً، أو يتوقّف كاظم ليضحك ويبتسم ويقول للمطالبات الكثيرة، حاضر، لقلنا أنها سهرة في الستوديو. بدون أي خطأ، بدون أي إزعاج، وبكلّ الحواس، كانت تصلنا الموسيقى والغناء والكلمات. لم تتوقّف البهجة من الثواني الأولى، حتى الثواني الأخيرة.
كاظم الساهر، هو الأقلّ تواصلاً على مواقع التواصل، وهو الأقلّ حضوراً في الصحافة والمؤتمرات الصحفية. وهو الأقلّ تصريحاً وضجيجاً بالقشور الإعلامية. هو الذي لا ينطق بكلمة خارج حفلاته ونصوص أغانيه، هو الأكثر حضوراً في العيون والقلوب. لم يهدأ الجمهور ولو للحظة، وكان غالباً يسبقه بالغناء، فينصت الفنان الكبير إحتراماً للمواهب التي تقف أمامه، يسمعها ويبتسم ثم يضحك، وتبدو في عينيه بهجة وسعادة بالنجاح. النجاح الذي تعوّد عليه في كل الأماكن، ومع كل جمهور الوطن العربي الكبير.
مدرسة فن إسمها كاظم الساهر، في زمن كثرت فيها “الجعدنات” والنجاحات الوهمية. في زمن كثر فيه الضجيج الإعلامي، وقلّت فيه الأفعال، بل زادت فيه التفاهات الفنّية، يطلّ كاظم الساهر بهدوء وصمت عن الكلام، وبوح سخيّ بالغناء والألحان، ليقول دون أن يقول “تعلّموا كيف تكون الأعمال والأفعال، وكيف يكون الجمال”.
فليتعلّم “نجوم الأرقام الوهمية” على مواقع التواصل، كيف يكون الفنان حقيقة وواقعاً. وكيف تصحّ فيه مقولة “عند الإمتحان، يُكرم الفنان أو يُهان” … هذه حفلات “إهدن” بالثلاثة، التي تليها حفلات “بيت الدين” بالثلاثة، وهذا كاظم الساهر، فأرونا ما عندكم “دام عزّكم الإفتراضي على تويتر”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى