كسلٌ فنيّ في بلد الإبداع… و”النقّ” هو السيّد!

كتب جمال فياض
ثمة وباء خفيّ، لا أعراض له جسديًا، لكنك تراه ينتشر بين معظم فناني لبنان كالعدوى ، خصوصاً الممثلين منهم.… إنه “الكسل”!
نعم، حالة من التراخي والتقاعس الفني أصابت الساحة، وكأننا أمام سبات جماعي طويل. كلّهم على “السوشيال ميديا”، يشتكون، يتذمّرون، يتباكون، يتقاذفون المسؤوليات، ولا أحد يجرؤ على أن يخطو خطوة فعلية واحدة نحو مشروع حقيقي.
كلّهم يتحدثون عن غياب الإنتاج، وعن الفرص الضائعة، لكن لا أحد يسأل نفسه: وماذا فعلت لأصنع الفرصة؟
أتابع أحياناً بعض حسابات النجوم والممثلين والمخرجين، وهالني مؤخراً هذا الكمّ من “الستوريهات” التي لا علاقة لها لا بالفن، ولا بالإبداع، ولا حتى بالحياة المهنية. صور من المطاعم، أحاديث عن الضيق، منشورات عن ظلم النقابات، و”بوستات” مكرّرة عن جحود السوق المحلي، وتجاهل المنتجين وشركات الإنتاج … أما الجواب الحقيقي عن سؤال: “ماذا تعملون الآن؟”، فهو: “ولا شي، ناطرين شي منتج يعملنا مسلسل!”
طيب، ولمَ لا تكونون أنتم أصحاب المبادرة؟ لماذا لا يجتمع كاتب ومخرج وبعض النجوم ، ويقرروا العمل على فيلم، ويجمعا مجموعة من الزملاء نجوم الدراما الذين يقضون وقتهم في المقاهي و”اللايفات”؟
ألم تكن السينما اللبنانية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي نتاج مبادرات فردية من شباب لم تكن لديهم لا ميزانيات ضخمة ولا دعم سياسي ولا ظهور تلفزيوني؟
راجعوا تاريخ السينما الشعبية اللبنانية ، من أفلام محمد سلمان الى أفلام يوسف شرف الدين وسمير الغصيني …
أين ذهبت تلك الجرأة التي كانت تُخرج أفلاماً بقليل من الدولارات وكثير من الشغف؟ لماذا صرنا ننتظر فقط أن تمطر علينا الفرص من السماء، ونكتفي بالبكاء على مجد ضائع؟
بالمقابل، نرى منتجين كثراً – من رجال الأعمال الذين لا علاقة لهم بالفن لا من قريب ولا من بعيد – يموّلون أفلاماً لا هدف لها إلا الظهور في مناسبة أو مهرجان أو ربما لغاية في نفس يعقوب. أعمال سينمائية سطحية، باردة، ركيكة كتابةً وتنفيذاً، لكنّها تُنفّذ… وتُعرض… وتُموَّل بسخاء!
أما أنتم، أهل المهنة الحقيقيين، فتعجزون عن الجلوس على طاولة واحدة لخلق مشروع درامي يستحق المشاهدة؟
هل فقد الفنانون اللبنانيون الحماسة؟ أم أنّ انتظار الهاتف صار بديلاً عن الاجتهاد؟
في زمنٍ مضى، كان الفنان يبحث عن الفكرة، يكتبها، يعيد صياغتها، يتوسل لها تمويلاً، ويبدأ مغامرة الإنتاج كأنه يقود ثورة. اليوم، كثير من هؤلاء تحوّلوا إلى متفرجين على أنفسهم. لا همّ لهم إلا “اللايك” وعدد المشاهدات، وكأن الفن تحوّل إلى حساب تفاعلي لا غير.
لنكن واقعيين، السوق صعب؟ نعم. الإنتاج متعثر؟ أكيد.
لكن هل المطلوب أن نستسلم ونقفل أبواب الخيال؟
ما ينقص الساحة اليوم ليس الأموال، بل الشجاعة…
شجاعة المبادرة. شجاعة الكلمة. شجاعة المخاطرة.
وشيء من النشاط، بدل هذا التفرّغ الجماعي للشكوى على “إنستغرام”.
ربما، لو اجتمع خمسة ممثلين موهوبين، مع مخرج وكاتب ومنتج لديه قليل من الحماسة، لخرج عملٌ دراميّ يعيد الروح إلى شاشاتنا. ربما، لو صرفنا جزءاً من وقتنا المهدور في “الشكوى” اليومية، لصناعة مشروع، لكان عندنا اليوم فيلمٌ يفتخر به الجمهور اللبناني والعربي.
لكن للأسف، في بلدٍ اعتاد النجوم فيه أن يأتوا إلى النجاح على طبق من الفُرص، صار العمل الجاد ترفاً، والجهد مغامرة، والإنتاج مخاطرة غير محمودة العواقب.
ولذلك، نستيقظ كل يوم على منشور جديد من فنان يعاني البطالة، ثم نراه ليلاً يحتفل بعيد ميلاد في مطعم خمس نجوم…
فهل هذه هي “البطالة” التي تُبكي وتستدرّ العطف؟
ببساطة، لا ينقصنا شيء سوى شوية حماس…
وشوية ضمير مهني…
وشوية كرامة فنية…
لأنّ الفن لا يُصنع بـ”الستوري” واللايف، بل على الورق، ثم بالكاميرا، ثم بالاجتهاد حتى النهاية.
ووعد منّا نحن أهل الإعلام والصحافة والثقافة، أن نقف الى جانب كل محاولة، لنجيّش لها الجمهور للمساندة… فقط حاولوا أنتم .
فهل من يسمع؟ أم أننا سنظلّ نعيش في “عهد النقّ الفني”؟