اخبار الفنكتب جمال فيَاض

كيف يظلّ النجم نجماً؟

عاصي وملحم ونادر ،الفرسان الثلاثة في حفل واحد ...

كتب جمال فيّاض

في حفل كبير وبسيط إجتمع الفرسان الثلاثة على أرض الجنوب اللبناني ، عاصي الحلاني وملحم زين ونادر الأتات … جمعهم المنتج اللبناني الشاطر في تركيب البرامج الفنية الصعبة، علي الأتات. وركّب السهرة بحرفية ومهارة، فإذا نحن أمام مباراة بين الفرسان الثلاثة.
الحفل كبير بسِعة المكان، وبسيط بطريقة العرض. مكان إتسع لأكثر من ألف شخص، جلسوا وارتاحوا، وتهيّاوا لسهرة من العمر. فالفرسان اليوم، جاؤوا بتراث بقاعهم الجميل، الى الجنوب اللبناني المحب، بكل مواويلهم وحـِداهم وهوّارتهم ودبكتهم، وفرق التراث بطبولها ومزاميرها وسيوفها وحطّتها وعقالها، وأقاموا للعشيرة خيمتها ورفعوا صاريها عند بحر من المحبين. وأطلّ أولاً نادر الأتات، هذا الشاب الجميل البهيّ الحافظ لكل ما في جعبة وتاريخ الغناء التراثي اللبناني والحديث والمصري والخليجي ، على ليونة في الحركة والدبكة، ويفرض علينا أن نسجّل له إعجابنا ونحن نراه يكبر ويتطوّر ويصعد نحو النجومية التي يستحقها. نادر الأتات، شاب عصامي، لم يقف خلفه مخرج، ولا محطة تلفزيون تدعمه، ولا ملحّن يخصّه بالألحان الضاربة، ولا شارك في برنامج هواة أطلقه كما الصاروخ العابر للقارات عبر الشاشات والفضائيات، ورغم كل هذه الصعوبات، بعدم نيله كل هذه الفرص، التي نالها آخرون بسخاء، رغم هذا، يحقق نادر صعوده الواثق، ويطوّر قدراته|، ويفرض الإعجاب والحب والتصفيق على جمهوره الذي يتسع ويكبر في كل حفل يحييه ويشارك فيه. ناهيك عن كونه نجماً مطلوباً في كل الأعراس وأفراح، لأنه موهبة كبيرة، وقادرة على الإمساك بالعيون منذ يطلّ حتى يترك مسرحه … هذا نادر الأتات، أخذ خلاصة العجقة والتصفيق، وأشعل مسرحه وحظي بجمهور ما زال بعزّ نشاطه وفي بداية سهرة طويلة.
ثم يصل الدور الآن للفارس الثاني، ملحم زين، هذا الدافيء الهاديء الراجح الحنون المليء بالشجن، يطلّ بهيبته الجميلة، وبحّة الصوت القويّ، المليء بالعاطفة والحب، وأحياناً الحزين حزن العاشقين المتيّمين. فيغني ضلّلي ضحكي، فيكاد يبكينا من كثرة الشجن، ونحن نعرفه كيف يخوض في حنايا القلب، حتى وهو يراقص نغمته، يظلّ يداعب المشاعر حتى يسيطر عليها. ساحر ملحم زين، ولا طبقة من طبقات الغناء تُعجزه أو تقلقه، فيطلق لصوته العنان وهو بكل طمأنينته وراحته. يغنّي ملحم، ويغنّي فلا نملّ ولا هو يكلّ… وعندما ينهي وصلته، نكاد نسير خلفه نرجوه العودة لأغنية أخرى ونحن لم نشبع منه …
ثم يأتي الفارس الثالث، أول ما نفكّر به هو كيف سيقدر عاصي الحلاني الآتي بعد مطربين لم يتركا كفّاً إلا وصفّق لهما، ولا صوتاً إلا وشاركهما بالغناء ولا جوارح عادت قادرة على التنهّد.. جمهور أرهقته أغاني ورقصات ودبكات وأغاني النجمين الجميلين، فكيف سيجدّ الفارس النجم مكاناً، وقد أنهك الغناء الجمهور الكبير؟ لكنه، أطلّ ودخل علينا نحن الألف قلب وقلب الذين إنتظرناه طويلاً،حتى جاء…
دخل عاصي الحلاني بذكاء حاد، ومنذ الطلّة الأولى سحَرَ وسيطر واستنهض الحضور بوصلة أغانيه الجميلة، وما ظلّ واحد منّا جالساً في مكانه، ولا هدأت الأكف عن التصفيق، ولا استكان أحد من هؤلاء الذين أعتقدناهم “منهكين” بما سمعوا وشاهدوا وشاركوا.. أمسكهم عاصي على دبكته، وعلى أغانيه وعلى صوته وهو يصدح، حتى جدّد فيهم النشاط، وحسبنا أنهم أتوا الآن، من جديد… لم يعد هناك كلام أو تعبير يمكن أن نجده لنصف السيطرة الكاملة التي يسيطرها عاصي على جمهوره. فهذه الحالة لا يمكن لأي نجم أن يصنعها. هو عاصي واحد فقط، لديه القدرة على هذا التنشيط العالي، ورفع “الأدرينالين” لدى الجمهور، فيستعيد منهم تعبهم، ويجدّد فيهم الشغف والشوق للسمع والدبكة. هل هذا سحر؟ هل هذا تأثير له سرّه العميق؟ لا ندري، كل ما نعرفه، أن عاصي دخل علينا، فوقفنا لنحييه، وما جلسنا إلا ونحن نسمعه يقول “تصبحوا على خير”، كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ لا نعرف لكل هذا تفسيراً واضحاً… كل ما نعرفه، أن النجومية لا تأتي من فراغ، وأن النجاح الطويل الأمد لا يأتي بالصدفة والحظ… كل هذا يأتي بالإصرار، والشغف بالبقاء على قمة الصفّ الأول. عاصي لا يكرّر نفسه على مسرحه. هو في كل مرّة يقدّم جديداً، إن كان بطريقة أداء أغانيه التي نحفظها، ولا يكرّرها، أو بطريقة تحرّكه ودبكته وخطواته على المسرح، التي يجدّدها ولا يكتفي بتكرارها…
الفرسان الثلاثة، عاصي وملحم ونادر … قدموا لنا عرضاً، لا يمكن أن نعتبره عرضاً عادياً، ولا مكرّراً، فقد تميّز كل واحد منهم، وحظينا مرة أخرى بعرض غنائي ولا أحلى ولا أجمل ..
هكذا يمكن للنجوم أن تستمر وأن تسيطر على أماكنها لسنوات وعقود!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى