اخبار الفن

لماذا يتطفل الممثل السوري على مهنة تقديم البرامج؟!

عامر فؤاد عامر

منذ أن تخلّى الإعلام في سوريا عن النخبة في البرامج الأكثر حيويّة، والتي تخصّ المتابع المحلّي على الأقلّ؛ دخلنا في متاهةٍ جديدةٍ، ترفعُ عناوينها بـ”التجدد”، و”ضخّ الدّم الجديد”، و”الإعلام الحيوي”، وغير ذلك من العناوين، وربما تدفع بنا رغبة التغيير في ذلك، إلا أن النتائج تأتي مخزية مع مرور الوقت، فالأمور في النهاية رهن للنتائج التي نصل إليها.
تتفاصحُ بالأمس ممثلة نعدّها، وتعدّ نفسها أكثر منّا بأنها خفيفة الدّم وذات حضور “بيّاع” على الشاشة الصغيرة، وهي خريجة من خريجات المعهد العالي للفنون المسرحيّة، وتقدّم برنامج مسابقاتٍ يثبت غرابته في التعامل مع الإنسان السوري حلقةً إثرَ حلقة، ويضاف لهذه الفنانة التي تتسلّق درج التقديم التلفزيوني زلّة جديدة غير تلك التي نطقتها في شهر رمضان المبارك – حين قالت “رمضان كريم و الشركة الراعية أكرم” أمّا في الحلقة الماضية التي تمّ تقديمها يوم الخميس الفائت مع شريكها، الذي يفيض بالعشوائية وعدم التنظيم، فقد انطلقت بتعبيرٍ جديدٍ مع إحدى المشاركات في الحلقة بكلمة “الله لا يعطيكِ العافية”، وكأنها المربية القادمة من القرن السابع عشر في مدارس الأيتام، توبخ الصغار متقززة منهم.
وإذا كانت الشركة الراعية كانت قد اختارت الممثل على أساس حضوره وحفّة دمه، لتقديم البرنامج فهي فشلت فشلاً ذريعاً في اختيارها، بدليل ما يحصل اليوم، ناهيك عن ملاحظة أصبحت واضحةً لدى بعض الممثلين في سوريا الذين يحسبوا أنفسهم أنهم رأس حربة المجتمع بل ومتقدمين على شرائحه المتنوّعة، وهنا يطرح السؤال نفسه هل مقدّم البرامج يحتاج لخفّة دم فقط أم بحاجة لحسن اللفظ، والوعي، وسرعة البديهة؟ فإذا كان التمثيل مهنةً خاصّة تحتاج التدريب، والموهبة، وأدوات، وتفاصيل تخصّ هذه المهنة، فيجب أن يعلم الممثلون أن التقديم التلفزيوني هو مهنة مختلفة تماماً، وتحتاج أدوات مميّزة، وبروتوكولات، وإتكيت خاصّ، ومغزى الكلام أنه لا يجب على الممثل التطفل على مهنة غيره لأن أولئك أدرى بشعابها.
من أين يبدأ الخطأ؟!
لا بدّ أن نتفهم غاية الصحافة والكتابة بالذات عن هذا الموضوع، الخادش للشعور العام، وهو أن التقييم والنقد غايتهما التقويم والتوجيه نحو الطريق الصحيح والسليم، والإشارة لمواطن الضعف، فكيف إذا كان الخطأ بهذا الوضوح وهذا اللون الفاقع؟! ولا بدّ هنا من مقارنة بين برامج المسابقات التي كانت تقدّم على شاشة التلفزيون العربي السوري والبرامج التي تقدّم اليوم، وبعرض بسيط سنجد أن الفرق الجوهري والأساسي والأهمّ بينهما أن البرامج القديمة كانت تحترم وعي المشترك، وتتعامل معه باهتمامٍ واحترام، أمّا اليوم فقلّة الذوق تتصدر التعامل، إذّ ما معنى أن يربح المشترك مئات آلاف الليرات قبل أن يجيب! وما معنى أن يمنحه الممثل الجواب بطريقةٍ غبيّة؟! لماذا كلّ هذا الكمّ من الإهانات؟! ولماذا كلّ هذا الاستهزاء بالمشتركين؟! ولربما غضّ البصر المتكرر قادنا في النهاية إلى قلّة الاحترام في التحدّث مع المشترك، كما أسلفتُ أعلاه.
ظاهرة تقديم الممثل السوري للبرنامج هي ظاهرة غير محترمة في هذه الحالة، وتعني أولاً تعدّي الممثل على مهنة لا تليق به إلا استثناءً، فيمكن تقبّله في برنامج خلال سهرة رمضانيّة، أو خلال سهرة له فيها خصوصيّة ما، أمّا أن تكون مهنته! هل هذا يجوز؟ وهل يجوز أن يأخذ الممثل مكان الصحفي أو عشرات خريجي كليّة الإعلام! وهل الاستثناء يصبح قاعدة والعكس بالعكس! وإذا كان الممثل السوري واعٍ حقاً فعليه أن ينتبه لهذه النقطة الحسّاسة فلا يعميه المال، لأن هذه إدانة أخلاقيّة في حقّه اليوم، وستبقى وصمةً في تاريخه.
الارتقاء بالإعلام يبدأ من الأدب والأخلاق، وعندما يبدأ التجاوز في سلب صاحب المهنة مهنته، والاستعاضة عنه بشخص غير كفوء سنصل لسوء التعامل، وسوء التصرف، وربما أكثر من ذلك، ولو أن الأمر في زمن التعافي وليس في زمن الحرب لكانت مثل هذه القضية تثار في المحاكم، ولكانت قضية رأيٍّ عامّ، إذا لا يجوز التمادي وخدش حياء الناس بهذه الطريقة، وهذه الاستباحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى