اخبار الفنكتب جمال فيَاض

ماجدة الرومي … من أين تأتي بهذا الجمال؟

كتب جمال فياض - العُلا

كتب جمال فياض – العُلا – السعودية

أجمل الصحبات،وأحلى الرفاق وأغلى الساعات، عندما تكون بصحبة سفر كلها فرح وتفاؤل … محظوظ جداً الذي يرافق ويصادق هذه الطاقة الإيجابية،وهذه الروح الحلوة التي سمّاها موسيقار زمانه حليم الرومي، ماجدة …
هذه مقدّمة لا بد منها، كلّما قرّرت أن أكتب عن رحلة برفقة هذه السيدة الجميلة بكل تفاصيل روحها وقلبها وعقلها.. ماجدة الرومي.
أما الروح ففيها كل النقاء والهدوء والطمأنينة، أما القلب ففيه كل خفقات الحب وطوفان المحبة الذي توزعه على من حولها. أما العقل، ففيه كل الرجاحة والعلم والثقافة والفهم والفلسفة والعمق.
لا تنفعل إلا ضاحكة،ولا تخاطب إلا باسمة، ولا تنظر إلا متفائلة وهي ترسل السلام قبل الكلام.
محظوظ أنا، عندما أكون في مكان فيه ماجدة الرومي، وسعيد أنا عندما أكون في زمن فيه ماجدة الرومي. لا أغالي ولا أبالغ إذا قلت أنها مكتوبة لها تلك العبارة التي كتبها نزار قباني عن الحب في الأرض، عندما قال “لو لم نجده عليها لاخترعناه”… هي،هي ماجده الرومي، لو لم تكن في حياتنا لاخترعناها.
تعالوا أحكي لكم الحكاية من أولها ذهاباً حتى عودتها إياباً …
في الطائرة، وصلت الماجدة كما لو أن عاصفة من السعادة، فسلّمت على كل رفاق الرحلة فرداً فرداً ، ومازحت الجميع، فكان أولاً “صباح الخير” قد حضر الصباح والخير ..
في اليوم التالي، تصل الفرقة الموسبقية الى المسرح، فتكون هي معها كما لو كانت مجرّد مطربة في بداية الطريق،تسمع وتنتبه وتلاحظ وكأنها البروڤة الأولى… ونحن نعرف أن البروڤات التي أجرتها في بيروت تكفي وتزيد عن اللازم والضروري، لكن الحرص لا يقف ولا ينتهي، يجب أن تكون الدقة في الأداء، على آخر تفاصيلها.
دعونا من “البروڤة” وتعالوا نتابعها وهي تمازح الجميع بين أغنية وأخرى، فتفاجيء المايسترو لبنان بعلبكي المحترف والخبير والجميع بمفاجأة ضاحكة،فتنطلق من خارج جدول الأعمال فتغني لهم “بترحلك مشوار” الأغنية الطريفة التي كتبها عبد الجليل وهبي ولحنها فيلمون وهبي للكبير وديع الصافي(رحمهم الله جميعاً) فتتحوّل اللحظة الى بهجة وفرحة وضحك وتتحوّل السعادة الى عطر توزّعه السيدة على الجميع،بعد ملاحظات وتصحيحات جادة تأتي من وحي المكتوب على النوتات. تلفت الأمور وتسيطر الضحكات.. هذه هي ماجدة، السيدة الكبيرة، والصديقة اللطيفة والأخت المرحة للجميع.
أخطف اللحظة فأحمل هاتفي وأشغّل كاميرا “السيلفي” وأسألها فجأة: هل توافقي على تولّي وزارة الثقافة؟ فتجيب كلا، وبإصرار … لماذا؟ لأني أترك السياسة للسياسيين، ولا أريد الدخول في متاهتها اللبنانية التي نعرفها… ولكن من يدعم المثقفين مثلك؟ فتجيب أنا أدعم لبنان وكل مافيه بصوتي وغنائي ..
زاهدة بكل شيء، توحي لك أنها لا تطمح إلا لسعادة الذين يحبوها ويحبوا غناءها. لا تسأل عن مال، ولا عن شهرة ولا مناصب ولا سلطة… فقط، لبنان ورفاهية كل لبناني، وحرية هذا الوطن الذي نستحقه جميلاً ويستحقنا سعداء فيه.
يوم الحفل في مسرح “مرايا” في العُلا مدينة التاريخ الغريبة بجبالها وصخورها وتضاريسها وقِدَمِها ورمالها وحكاياتها التي تشهد عليها الكتب والروايات والسماء والفضاء… في هذا الموعد الذي أتت إليه، تجلس وحدها قليلاً، تصلّلي وتبتهل وتركن الى صفاء نفسها، ثم تلبس الفستان الجميل، المزركش بالريش الأحمر النبيذي القرمزي … إنها ليلة الحب، ليلة “الڤالانتاين” التي سيحضرها كل المحبين وجماعة الذين سلّموا أمورهم لله ليصبغ قلوبهم بالكثير من الحب …
ماذا ستغني السيدة؟
ستغنّي كل أغاني الحب، خدني حبيبي،كلمات،لا تسأل ما هي أخباري،مطرحك بقلبي… وغيرها الكثير، وتطلّ فجأة بالتحفة الجديدة “أنا انغرمت” … التي كتبتها بنفسها لنفسها، ولحنها بكل موهبة وشطارة موسبقار جيله، يحي الحسن… ويكون الصوت حاضراً، والغناء بل أحلى الغناء، فتنثر الحب في تلك القاعة الهائلة … مع فرقة موسيقية فائقة الإحتراف يقودها المايسترو الرائع لبنان بعلبكي…
وكالعادة، كانت سهرة من أجمل السهرات . وبعد أكثر من ساعتين من الفناء الجميل والممتع، تترك مسرحها فأتبعها الى غرفتها لتستريح قبل المغادرة وأسألها مباشرة …
أنا انغرمت؟ ألستِ أنتِ من قلتِ منذ عقدين أنكِ اعتزلتي الغرام؟
تضحك وتتجرّأ وتتخلّى عن “الخفر” الساكن في عينيها، وبكل خفة دم و”هضامة” فتقول: غيّرت رأيي … ورجعت بكلامي،
فنضحك وتضحك، ثم تقول : أنا أغنّي لكل من يحب ويريد أن يحب، فليحبّوا ويعشقوا، وينغرموا … بالنهاية، لن يبقى في حياتنا سوى الحب!
يعلو التصفيق وتعلوا الصيحات ، من جمهور النخبة، الذي أتى من كل نواحي ومدن المملكة العربية السعودية القريبة والبعيدة… كلهم جاؤوا إليها، وبعضهم شكّل مجموعة من شباب وصبايا وأحصروا معهم وروداً حمراء وزعوها على الداخلين الى سهرة الحب الجميلة هذه.. لعيون الماجدة تهون الورود والزهور(يهتف أحدهم) …
في اليوم التالي، نعود الى بيروت، وأسألها عن هذه الرحلة، ورأيها بهذه الحفاوة التي لاقاها بها الإداريون السعوديون، فتقول “هذه البلاد كلها خير، وكلها نشاط، وكلها بركة، لم تقدّم لنا كلبنانيين إلا كل الحب، وكل الإحترام والتقدير، وأنا التي تسعدني أخبار نموّ وتقدّم كل بلد عربي، سعيدة بهذا العمران وهذا التقدّم السريع ، فالمملكة لها في للبي وقلوب كل اللبنانيين محلة بحجم الجبال.. الحمدلله على نِعَم الله عليها …
لكن وفي غمرة الأحاديث الجانبية، لا تمرّ الرحلة هادئة كما كنا نعتقد، فقد جمع الموسيقيون من الفرقة بعضهم البعض،مع مجموعة من صبايا وشباب الكورال، وأتوا إليها ليفاجؤوها حيث كانت تجلس ويغنّوا لها معاً وبصوت واحد “بترحلك مشوار، قلتلا يا ريت… قالت لكن أوعى تغار، حواليي العشاق كتار، قلتلا بطّلت … خلليني بالبيت”…
فتغني معهم وتتحوّل الرحلة الى هرج ومرج وغناء وسعادة وفرحة بالنجاح الكبير …
ثم تجلس بجانبي وتهمس لي: شو رأيك لو غنّيت هذه الأغنية في حفلة قادمة؟ هل تناسب؟ هل تصلح؟
أتسأليني أنا يا ست الكلّ ؟ أنا الذي أشجع كل التجارب الفنية؟ أنا الذي أعشق المفاجآت والخروج على المألوف؟ طبعاً غنّيها… وغنّيها وأحييها وأعيديها الى الحياة، ستكون مفاجأة جميلة لجمهور يحب منكِ كل شيء وكل المفاجآت … فتهمس لي وتقول”سأفكر بالأمر، وأنت ما تقول لحدا ..”
أنا ؟ سرّك في بير ، لا يمكن ، أبداً ما رح قول لحدا أبداً أبداً … ولو؟ لا توصّي حريص!
ونصل بيروت، ولأول مرّة تمنينا كلنا لو طالت الرحلة لساعات وساعات، وهل هناك أجمل من أن نجلس ساعات معها..
ماجدة الرومي، هذه السيدة الحلوة الحضور، من أين تأتي بكل هذا الصفاء؟ هذا النقاء؟ هذا الجمال؟
أنها فعل الصلاة والإيمان العامر بداخلها، تترجمه السماء بهذا النور الطالع منها، وهذا الحب العابر إليها …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى