اخبار الفنكتب جمال فيَاض

من صنع هذه الهوّة بين الصحافة والفنان؟

كتب جمال فياض

لم تعد العلاقة بين الصحافة والفنان كما كانت عليه بين صحافة الجيل السابق وفنانيه. هذا أمر صار ملحوظاً وواضحاً، ولم يعد أمراً مستتراً. لكن السؤال الذي لم يجد البعض جواباً عليه، هو “ما الذي أوصل الحال الى ما هو عليه اليوم؟”. لماذا صارت علاقة الصحافة مع الفنان (الكبار منهم طبعاً)، أشبه بعلاقة الموظف بمدير عمله. لماذا لم تعد الصحافة لها وزنها عند الفنان، ولا يعيرها إهتماماً أو لا يأخذ بتأثيرها؟ السبب بسيط جداً، وقد عرضه الزميل الناقد المصري طارق الشناوي في تصريح لموقع “الفن” قال فيه :
“رأيي الشخصي أن الصحافة هي السبب. وخاصة أن بعض الصحفيين إرتضوا بأن يتعاملوا مع إدارة أعمال الفنان، وأن يأخذوا منهم المقابلات الصحافية والتي يتم إرسالها إلى أكثر من صحيفة في الوقت نفسه وهذا لا يرتقي مع العمل بمجال الصحافة…”.
والرأي الذي طرحه الزميل الشناوي، هو الصحيح والأقرب الى المنطق. ونحن نراه اليوم بالعين المجرّدة. لم يعد الفنان يقيم للصحفي أي اعتبار. صار الصحفي مجرّد شخص لا يعرف من الفن شيئاً، وصار الأساتذة قلّة قليلة، بل نادرة. وتحوّل الباقون الى مجرّد معجبين، يلهثون خلف الفنان لالتقاط صورة، قبل السؤال أو النقد. صارت المواقع الألكترونية باب الظهور السهل، لأي معجب يريد أن يكون أقرب الى المشاهير. وصارت الأبواب مفتوحة في لحظة تشبه لحظة هبوط النعمة على الإنسان. وهذه النعمة، هي أن يقبل الفنان الوقوف الى جانب هذا الذي يسمي نفسه “الصحفي” وهو لا علاقة له بهذه المهنة، ولا يمتلك من مواصفتها شيئاً يستحق الذكر أو الإعجاب. فلا ثقافة، ولا علم ولا دراية، ولا يجيد كتابة اللغة العربية. صار الصحفي اليوم، مجرّد عين تنقل ما حصل للمجلة أو الموقع الألكتروني، فيقوم المصحّح اللغوي بتدبيج الخبر وينشره مع صورة إلتقطها “المندوب” بكاميرا الهاتف المحمول. الأسوأ، هو تحوّل الصحافة للتركيز على القشور للشخصية الفنية، دون الإقتراب من أساس وجوده، وهو العمل الفني. فالفنان يقدّم أعمالاً بالجملة، وينجح ويكتسب الجماهير، فلا تكتب الصحافة إلا عن ملابسه وملابسها. عن خلافاتهم الشخصية، وعن الأحذية والفساتين والعلاقات العاطفية. عن الزيجات والطلاقات. عن الأمراض أوالزيارات التي يقومون بها للترفيه والسياحة. وهو ما سيجعل رفض الفنان اللقاء بال”صحفي المزعوم” أمراً طبيعياً ومنطقياً. كيف سيقابل الفنان أشخاصاً، ليس فيهم واحداً يعرف شيئاً عن الدراما، أو الموسيقى أو الغناء. كيف سيلتقي شخصاً يقبل العطاءات والهدايا التافهة، من مدير أعمالهم، فيتحوّل على مواقع التواصل الى معجب يمدح ويتغزّل بالنجاح الذي لا يعرف أصلاً دوافعه ولا أسبابه؟ كيف سيقبل الفنان أن يقابل “صحفياً”، يتسوّل من مدير أعماله بطاقة دعوة لحفلة، أو لقاءً لا هدف منه سوى إلتقاط صورة، تماماً كأي معجب عابر؟ كيف سيقابل الفنان شخصاً لم يدرس في معهد صحافة، ولا هو منتسب الى نقابة الصحافة، التي تحتّم أن يكون المنتسب إليها محترفاً لديه ما يكفي من العلم والثقافة والكفاءة والخبرة؟
عدد الذين يمكن أن نسمّيهم نقاداً وصحفيين، بات لا يزيد عن عدد أصابع اليدين. وأعداد الدخلاء السطحيين البسطاء “الفقراء الى رضى مدير أعمال الفنان” صاروا بعدد شعر الرأس؟
في الجيل السابق، كان الفنان يسعى الى الصحفي ليسمع رأيه النابع من خبرته وثقافته، وكان يدعوه للنقاش وسماع ملاحظاته، وغالباً ما كان يأخذ بملاحظاته ونقده. اليوم يستبعد مدير الأعمال الصحفي الذي لا يمدح ويصفق بلا حدود، ودون شروط. ومتى زاد عدد المصفّقين، سيكون من البديهي ألا يسمع الفنان صوت الناقد الذي يعرف ما يقول، ولا يمكن أن يشتريه مدير الأعمال.
قد يجمع الفنّانون أموالاً طائلة من الفن الذي يمارسونه سواء كان رفيعاً أو هابطاً. لكن غداً، لن يذكرهم تاريخ الفن إلا بسطور بسيطة، لا توحي بأيّ أهمّية أو قيمة. ولنا أن نقرأ اليوم ما يكتبه تاريخ الفن عن الرحابنة وفيروز ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وجيلهم، وما نقرأه عن غيرهم من الذين عاصروهم، ولم يكن لنجاحهم أي تأثير بعد رحيلهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى