اخبار الفنكتب جمال فيَاض

جاك مارتان… وألم النهاية!

كتب جمال فيّاض

كان جاك مارتان مذيعًا تلفزيونيًا ناجحًا كاسحًا في التلفزيون الفرنسي. ولا أظن أن في العالم العربي من لا يعرف أو لم يسمع عن برنامجه الشهير “L’École des Fans” أي “مدرسة المعجبين”. وكانت فكرته أن يأتي بالأطفال دون العاشرة من أصحاب المواهب الغنائية، ليغنّوا أغاني مغنييهم المفضلين. وكان يستقبل نجوم الغناء من كبار وأشهر المغنين خلال الحقبة الممتدة من بداية عام 1977، وفي الثمانينيات والتسعينيات.

في البرنامج، وقبل الغناء، كان مارتان يحاور الأطفال بأسلوب مثير للإعجاب، وهو ما صنع النجاح الأساسي للبرنامج. وكان النجم الضيف من المغنين يحضر ليغنّي مع الأطفال كمُساند فقط، أي أنه لا يغنّي معهم إلا عند الضرورة القصوى، مثل أن ينسى الطفل وهو يغنّي كلمة من الأغنية، فتُسعفه ميراي ماتيو أو نانا موسكوري أو ميشال ساردو أو فريديريك فرانسوا أو بيار باشليه أو جين بيركن أو سيرج غينسبورغ، وعشرات الأسماء من مشاهير الغناء من الصف الأول، الذين حلّوا تباعًا ضيوفًا على حلقات البرنامج.

وكان الضيف الشهير يكتفي بأغنية واحدة في ختام الحلقة، فقط لا غير. ولم يكن جاك مارتان يعامله بأفضل من معاملته للأطفال المشتركين، الذين كانوا هم أبطال البرنامج الأوائل. وقد حطّم جاك مارتان الرقم القياسي في نسب المشاهدة لبرنامجه، الذي كان يُصوَّر في مسرح كبير بحضور جمهور واسع. في مقدّمة الحضور، كان يجلس أهالي الأطفال المشتركين، ولم يكن الأهل يتدخلون في الحوار إلا بابتسامة من بعيد أو تلويح بالأيدي، فقط للإشارة إلى “أننا نحن هنا” عندما يأتي مارتان على ذكرهم. فيذكر الطفل أو الطفلة أن والده يعمل حدّادًا أو نجّارًا أو عامل نظافة في البلدية. لم يكن أحد يخجل من مهنته على الشاشة. كلنا نعمل ونكسب ونربّي أطفالنا كما يجب، ليكون لهم مستقبلهم الممتاز.

ومن الصدف اللطيفة، أن المغنية الفرنسية العالمية فانيسا بارادي كانت قد مرّت على البرنامج عام 1981، وكانت في الثامنة من عمرها. وهي اليوم إحدى الشهيرات العالميات في عالم الغناء.

إلى جانب نجاحه الكبير مع الأطفال، قدّم جاك مارتان برنامجًا كبيرًا بعنوان “Dimanche Martin” أي “أحد مارتان” مساء كل أحد. وفيه كان يستضيف المغنين من كل أنحاء العالم في سهرة عامرة مع فرقة موسيقية كبيرة، فيقضي الفرنسيون أحلى سهرة مساء الأحد. وكان جاك مارتان ناجحًا جدًا، وينافس زميله في النجاحات الفرنسية الكبيرة، ميشال دروكير.

نال مارتان أوسمة كبيرة من الدولة الفرنسية بعد مرضه وتقاعده، منها وسام فارس في جوقة الشرف من الرئيس الفرنسي جاك شيراك عام 1999. وشارك ممثلًا ومخرجًا سينمائيًا ومذيعًا ومغنيًا وملحنًا وشاعرًا.

وذات يوم، إثر إبلاغه بتوقّف برنامجه “Sous vos applaudissements” أي “أثناء تصفيقكم” في 21 مارس (آذار) عام 1998، أصيب جاك مارتان في الليلة ذاتها بنوع من الشلل النصفي. فتوقّف عن العمل وهو في عزّ النجاح، فانزوى في بيته للعلاج. وأكمل زميله جان-كلود بريالي حلقات الموسم المتبقية من برنامج الأطفال، الذي توقّف بعدها نهائيًا.

بعد سنوات من غياب جاك عن الجمهور والشاشة، استضافه عام 2003 أحد المذيعين الفرنسيين (لوران روكييه) في برنامجه “Prime Donne” لمرة واحدة فقط. وفي هذه الحلقة، مرّر جاك مارتان ممازحًا أنه منذ جلس في منزله، بدأ رنين الهاتف ينخفض تدريجيًا حتى وصل به الأمر إلى أنه لم يعد يسمع رنين هاتف منزله! لم يعد يتصل به أحد، سوى المذيع الذي استضافه في هذا البرنامج وشاب آخر فقط، هكذا قال مبتسمًا. وهنا مازحته ضيفة في الاستوديو قائلة: “ربما قطعوا خطك”، فقال لها: “أبدًا، هكذا هي مهنتنا”.

بعدها، انسحب مارتان ليقيم في مدينة “بياريتز” الفرنسية، ويغادر هذا العالم بصمت في سبتمبر (أيلول) عام 2007.

أظن أني بعد هذا الذي سردته، لا أحتاج لكتابة المزيد. فقد صرنا نعرف نحن الإعلاميين ماذا سيكون حالنا بعد التقاعد…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى