اخبار الفن

جورج الصافي يحيي إرث والده وديع في لقاء استثنائي على “طرب مع مروان”

في حلقة استثنائية من برنامج “طرب مع مروان” على قناة العربي 2، استضاف الفنان اللبناني الشامل مروان خوري، المعروف بألحانه العذبة وصوته المميز، الفنان جورج الصافي، ابن أيقونة الطرب العربي وديع الصافي، للاحتفاء بإرث فني امتد لعقود ولا يزال ينبض في وجدان الجمهور العربي. الحلقة، التي صُوّرت قبل عامين وتأخر بثها بسبب الظروف في لبنان وغزة، لم تكن مجرد حوار، بل احتفالية موسيقية وإنسانية جمعت بين الحنين إلى الماضي والأمل في استمرارية الأصالة عبر الأجيال. تخلل اللقاء عروض موسيقية قدمها جورج وابناه شربل وجاد، إلى جانب مشاركة الفنانة كريستيا كساب، في مزيج من الطرب الأصيل والروح الشبابية.

مشاهدة على إنستغرام

 

وديع الصافي: صوت الأمة ومدرسة فنية

افتتح مروان خوري الحلقة بتكريم وديع الصافي (1921-2013)، الذي وصفه بـ”التاريخ الحي” الذي شكّل مدرسة فنية فريدة في الموسيقى العربية. وديع، الذي اشتهر بصوته الجبلي العميق وقدرته على التنقل بين المقامات بسلاسة، لم يكن مجرد مطرب، بل رمزًا ثقافيًا جسّد روح لبنان وهموم الأمة العربية. تحدث جورج الصافي عن والده كإنسان وفنان، مؤكدًا أن صوت وديع كان يجمع بين “الرجولة والحنان”، كما وصفه الموسيقار محمد عبد الوهاب، مما جعل أغانيه تلامس قلوب الجماهير من مختلف الثقافات، حتى أولئك الذين لا يفهمون اللغة العربية.

أشار جورج إلى أن ألحان وديع كانت تنبع من جوهر الكلمات، حيث كان يرفض تلحين أي عمل دون نص شعري يحمل معنى عميقًا. هذا النهج، كما أوضح، جعل أغانيه تحمل صورًا بصرية وعاطفية، كأنها لوحات موسيقية تنقل المستمع إلى عوالم من الحنين والحب والألم. وأكد أن هذه المدرسة الفنية لا تزال مرجعًا للفنانين الطامحين، حيث يعود الجمهور إلى تسجيلات وديع الأصلية لفهم جوهر الطرب قبل إعادة تقديمه.

عروض موسيقية تحيي التراث

تألقت الحلقة بعروض موسيقية أعادت إحياء تراث وديع الصافي، مع لمسات شبابية أضافتها الأجيال الجديدة. الأغاني التي أُدّيت، والتي تم التحقق من أسمائها عبر مصادر موثوقة مثل مواقع الأغاني ومنشورات على منصة X، هي:

  1. يا قمر الدار: أغنية تراثية لبنانية قدمها جورج الصافي، تتميز بكلماتها الشاعرية التي تستحضر الحنين إلى الأحبة. تضمنت مقاطع مثل: “يا قمر الدار، سلّم على الحبايب / يبعثه مكتوب يطمئن للمحبوب”. الأغنية عكست الروح الشعبية التي اشتهر بها وديع، مع أداء جورج الذي حمل صدى صوت والده.

  2. جنات عمد النظر: أداها شربل الصافي، ابن جورج، في عرض أظهر موهبته كمغنٍ شاب. الكلمات، مثل “جنات عمد النظر، ما بنشبع منها نظر / طيورها نغمتها بالناب يسحر أمرًا”، مزجت بين الشعر العاطفي واللحن الطربي، مع لمسة شبابية أضافت رونقًا معاصرًا.

  3. على رمش عيونها: قدمتها كريستيا كموال وأغنية، وهي إحدى روائع وديع الصافي. تضمنت أغنيات مثل: “على رمش عيونها، تغوينا / نظره حلوة من عيونك بتبل القلب ودروينا”. الأداء أبرز مهارة كريستيا في التنقل بين المقامات، وهي سمة ميّزالوديع الكبير في أداء المواويل.

  4. قتلوني عيونها سود: ذُكرت كمثال على تفرد وديع الصافي في الأداء. جورج أشار إلى أن هذه الأغنية، التي تضمنت كلمات مثل “قتلوني، قتلوني، قتلوني عيونها سود / ناية عم تكبر محروس في سيوف النور”، تفقد عمقها إذا أداها آخرون، لأن وديع كان يقدمها بلحن أساسي لا يُضاهى. الأغنية تُعد درسًا في الطرب الأصيل.

  5. على بالي يا عصفور: أداها جاد الصافي، الابن الأصغر لجورج، وهي أغنية شعبية تحمل طابعًا شبابيًا. تضمنت كلمات مثل: “على بالي، على بالي يا عصفور تنهارين / يملوني ويمكحني العينين”. الأداء عكس شغف جاد بالتوزيع الموسيقي الحديث، مع الحفاظ على الجذور التراثية.

  6. بتروحلك مشوار: أغنية ختامية أُدّيت بشكل جماعي بمشاركة جورج الصافي، مروان خوري، شربل، جاد، وكريستيا كساب. تضمنت كلمات مثل: “بتروحلك مشوار؟ قلتلها يا ريت / قالت لكن أوعى تغار حوالي العشاق كتار”. الأغنية أضافت جوًا احتفاليًا، معبرة عن روح التفاؤل والتواصل بين الأجيال.

انتقال الإرث: من وديع إلى الأجيال الجديدة

كان محور الحلقة هو انتقال إرث وديع الصافي إلى أبنائه وأحفاده. تحدث جورج عن بداياته الفنية في سن التاسعة، عندما اكتشف والده موهبته وهو يردد لحنًا في المنزل. وأوضح أنه لم يفرض الموسيقى على أبنائه، شربل وجاد، بل تركهم يكتشفون مواهبهم بحرية، مع توجيههم نحو فهم الموسيقى الشرقية والغربية. أشار إلى أن هذا الانفتاح سمح لأبنائه بمزج الأصالة مع الحداثة، حيث يعتمد شربل على الطرب التقليدي، بينما يبرع جاد في التوزيع الموسيقي والبيانو.

شربل، من خلال أدائه لـ”جنات عمد النظر”، أظهر قدرة على إحياء التراث بلمسة شبابية، بينما جاد، البالغ 16 عامًا، أبدى رؤية فنية معاصرة مستوحاة من أرشيف جده وتأثيرات العصر الحديث عبر منصات مثل يوتيوب. جورج أكد أن هذا الإرث ليس مجرد موهبة “جينية”، بل نتاج تربية موسيقية وأخلاقية زرعها وديع، مع التركيز على الذوق والانفتاح الثقافي.

مروان خوري: فنان شامل يربط الأجيال

مروان خوري، الذي يُعد واحدًا من أبرز الملحنين والمغنين اللبنانيين، أضفى على الحلقة طابعًا خاصًا. اشتهر خوري بأعمال مثل “كل القصايد” و”كاسك يا وطن”، وله إسهامات كبيرة في تلحين أغانٍ لفنانين مثل ماجدة الرومي وكارول سماحة. في الحلقة، لعب دور الوسيط بين الأجيال، حيث ناقش مع جورج تقنيات الأداء الموسيقي، خاصة التنقلات المقامية التي ميّزت وديع الصافي. مشاركته في أداء “بتروحلك مشوار” أظهرت قدرته على التفاعل مع الضيوف، مضيفًا لمسة من الحيوية إلى الختام.

التربية والأصالة: جوهر إرث الصافي

أكد جورج أن وديع الصافي لم يكن مجرد فنان، بل إنسانًا جمع بين القوة والعاطفة، وهو ما انعكس في تربيته لعائلته. زرع وديع في أبنائه قيم الأصالة، الاحترام، والحساسية تجاه الفن والمجتمع، وهي القيم التي نقلها جورج بدوره إلى شربل وجاد. وأشار إلى أن الموهبة تحتاج إلى “ذوق” يُصقل بالتربية، مشددًا على أهمية الانفتاح على الثقافات الموسيقية المتنوعة لضمان استمرارية الإبداع.

تحديات الأجيال في عصر التكنولوجيا

تطرق جورج إلى التحديات التي تواجه الأجيال الجديدة في الحفاظ على الأصالة وسط هيمنة التكنولوجيا والموسيقى الحديثة. وصف حمل إرث وديع الصافي بأنه نعمة تتيح الفخر والإلهام، لكنه قد يكون نقمة بسبب ضغوط التوقعات أو حسد البعض. ومع ذلك، أكد أن عائلته تواجه هذه التحديات بالتمسك بالقيم التي زرعها وديع، مع تبني أساليب معاصرة في الأداء والتوزيع.

أهمية المدرسة الفنية

أبرزت الحلقة أهمية وديع الصافي كمؤسس لمدرسة فنية لا تزال تؤثر على المشهد الموسيقي العربي. أشار جورج إلى أن أغاني والده، مثل “قتلوني عيونها سود” و”على رمش عيونها”، تُعد دروسًا في الطرب بسبب تعقيد تنقلاتها المقامية وقوتها العاطفية. وأكد أن هذه الأعمال تحتفظ بقيمتها الخالدة، حيث يظل الجمهور يعود إلى تسجيلات وديع الأصلية لفهم جوهرها، حتى عندما يعيد فنانون آخرون تقديمها.

ختام احتفالي

اختتمت الحلقة بأداء جماعي لأغنية “بتروحلك مشوار”، التي جمعت جورج، مروان خوري، شربل، جاد، وكريستيا كساب في لحظة موسيقية عكست روح التضامن والإبداع. الحلقة لم تكن مجرد استرجاع لماضٍ مجيد، بل شهادة حية على استمرارية إرث وديع الصافي عبر عائلته. جورج وأبناؤه، بدعم من فنانين مثل مروان خوري وكريستيا كساب، يحملون شعلة هذا الإرث، مزجوا بين الأصالة والحداثة، مؤكدين أن الموسيقى اللبنانية الأصيلة قادرة على تحدي الزمن وإلهام الأجيال القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى